النكبة الكبرى التي حلت بفلسطين قبل اثنين وستين عاما قد تصبح في يوم ما مجرد مقدمة لنكبة أعظم يجري التحضير لها بتواطؤ عالمي وبمشاركة من يدعون تمثيل أصحاب القضية. قامت إسرائيل قبل اثنين وستين عاما، وأصبحت قوة عسكرية جبارة، خاضت الحروب، واحتلت الأرض، وغيرت الجغرافيا، وطيلة العقود الستة الماضية استفادت من اللاعقاب بفعل تواطؤ دولي غير مسبوق في تاريخ البشرية، وقد سمحت لها حصانتها بشن حروب إبادة على الشعب الفلسطيني وعلى الشعوب العربية التي تعيش في البلدان المجاورة، غير أنها لم تقدر على تجاوز حقائق التاريخ، عجزت عن كسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي ظل يحتفظ بعلاقة أسطورية مع الأرض، وبقيت الأجيال المتعاقبة تتوارث الانتماء إلى فلسطين حتى في مخيمات الشتات، ولا يزال الفلسطينيون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي اغتصبها الصهاينة في سنة 1948، ويقدمون هذه المفاتيح لأبنائهم وأحفادهم رمزا للولاء لوطن يسكن قلب كل فلسطيني. هذا الارتباط بالأرض والوطن، والإيمان بالحق الذي لا يسقطه الزمن ولا تسكته القوة، هو الذي يرهب إسرائيل اليوم، وسيرهبها غدا إلى أن يفككها منطق التاريخ الذي أرادت الحركة الصهيونية أن تدوس عليه، وهذا الإيمان بالانتماء إلى فلسطين هو الذي يتعرض اليوم للمؤامرة، وكل ما يراد تقديمه هو جزء من بديل مزعوم عن وطن لا يقبل القسمة على اثنين. واهم من يعتقد أن إسرائيل عندما أبادت الفلسطينيين في غزة كانت تريد تدمير ما يسمى البنية التحتية للمقاومة بل كانت تريد أن تدمر روح المقاومة، فبدون تلك الروح لن تكون هناك قضية فلسطينية، وعندما يخضع الشعب الفلسطيني للأمر الواقع فإنه يفرط في الحق الذي ظل محل إجماع وغير قابل للتنازل حتى في أحلك فترات الكفاح الوطني. إسرائيل قامت على أساس ما سمته حق العودة الذي تبرره أساطير وأكاذيب تعود إلى آلاف السنين، وهي اليوم تريد أن تسلب الفلسطينيين حق العودة لأنها تعرف جيدا أنه الممر إلى استرجاع الحق، والذين يسقطون حق العودة اليوم يريدون نكبة أكبر لفلسطين وللأمة، وقوانين التاريخ تخبرنا لأنهم لن يفلحوا في مسعاهم لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه.