أعلن المطرب القبائلي فرحات مهني عن تشكيلة »الحكومة المؤقتة« للحكم الذاتي لمنطقة القبائل، تضم تسعة وزراء من بينهم امرأتان، واحتفظ لنفسه بمنصب »رئيس الحكومة«. وهكذا بعد شهر ونصف من إعلانه عن الحكومة المؤقتة شهر أفريل الماضي بمناسبة احتفالات منطقة القبائل بما يعرف باسم »الربيع الأمازيغي«، أعلن مهني من باريس تحديدا عن تشكيلة حكومته. وحسب برقية وكالة الأنباء الفرنسية، فقد جاء في بيان التأسيس أن هذه الحكومة جاءت لكي تمنع منطقة القبائل للتعرض أكثر للظلم والإحتقار وهيمنة حكومة الجزائر منذ 1962. ومن دواعي تأسيس حكومة الحكم الذاتي لمنطقة القبائل، أن المنطقة تم تجاهل وجودها، وأهينت كرامتها، وتتعرض للتمييز على جميع المستويات، وتم منعها من هويتها ولغتها وثقافتها القبائلية، ومحرومة من ثرواتها الطبيعية. أما سكان منطقة القبائل -حسب بيان حكومة الحكم الذاتي- فهم يسيرون إلى يومنا هذا كمستعمرين، بل حتى كأجانب في الجزائر«. الذي يعيش في المريخ قد يصدق كلام مهني، الذي يجهل تماما الواقع الجزائري قد يصدقه أيضا، لكن بكل أسف أن كل ما ورد في بيان التأسيس خال من الصحة، فمشاكل منطقة القبائل هي صورة مصغرة للمشاكل التي تعاني منها جميع جهات الجزائر، بل إن منطقة القبائل من بعض النواحي التنموية هي أحسن بكثير من كثير من جهات الوطن، وخلال الملتقى الدولي الذي انتظم بالجزائر تحت إشراف الأممالمتحدة حول الفقر عام 2000 اتضح أن خريطة الفقر في الجزائر تضرب ولايات أخرى غير منطقة القبائل. هذا لا يعني أن المنطقة هي أغنى من غيرها، إنما يعني أن الدولة الجزائرية بكل ما فيها من عيوب، لم تميز جهة عن جهة أخرى خلال عملية التنمية، قد يحدث أن منطقة تكون قد استفادت أكثر من غيرها، لكن ليس أبدا من باب التمييز الجهوي أو العرقي. أما الثروات الطبيعية التي تزخر بها منطقة القبائل، فالله وحده يعلمها، أما الجزائريون جميعا فيعلمون علم اليقين أنهم جميعا يقتاتون ويحيون بفضل الصحراء الجزائرية وليس بفضل أي ثروة خارج المحروقات، بدليل أن مداخيل الجزائر من العملة الصعبة خارج المحروقات تقل عن 1 بالمئة. لكن الحاصل أن التطور الذي تشهده الجزائر عامة ومنطقة القبائل خاصة منذ تاريخ الربيع الأمازيغي عام 2000 ، لم يعد لفرحات مهني شيئا يطالب به أو يتحجج به لدى الرأي العام الوطني بكل تركيبته بما فيه سكان منطقة القبائل، حيث استجابت الدولة الجزائرية لكل مطالب السكان. إن الحركة البربرية التي ناضل فيها فرحات مهني رفقة سعيد سعدي قبل أن »يطلقا بعضهما البعض بسبب تباين المصالح، واتهام فرحات مهني لسعدي بالدكتاتورية« كانت تطالب بتدريس الأمازيغية وبتخصيص برامج تلفزيونية بها، وكانت تطالب بدسترة الأمازيغية. ومن أجل هذه المطالب ظلت منطقة القبائل بركانا ثائرا لسنوات طويلة من حيث تنظيم المسيرات حتى بدون رخصة من السلطات، بل إن حتى الحركة البربرية نفسها »الأم. سي. بي« بشقيها : الشق التابع لجبهة القوى الاشتراكية المعروف اسم »اللجان الوطنية«، والتابعة للأرسيدي المعروفة باسم »التنسيقية الوطنية« ليس لها اعتماد رسمي. ومن أجل تلك المطالب تم تنظيم سنة دراسية بيضاء في منطقة القبائل عام 1994 ، عرف الإضراب خلالها باسم »إضراب المحافظ«. اليوم أصبح تدريس الأمازيغية أمرا واقعا، الأمازيغية أصبحت لها قناة تلفزيونية قائمة هي القناة الأمازيغية، بعد ما خصصت لها في وقت سابق نشرات أخبار بمختلف لهجات الأمازيغية، وتم دسترة الأمازيغية في تعديل دستوري خصص لهذا الغرض، جمع له رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة البرلمان بغرفتيه وصوتوا لصالح دسترتها كلغة وطنية. وينص الدستور الجزائري بوضوح لا لبس فيه، أن الهوية الجزائرية تتكون من الثلاثي المقدس : الأمازيغية، الإسلام والعربية. ولم يحدث في تاريخ الجزائر أن تمت مضايقة من يتكلم بالأمازيغية أو يغني بها. وفي عام 2001 وقعت أحداث أليمة في منطقة القبائل إثر مقتل الشاب قرماح ماسينيسا في مركز للدرك الوطني، نشأت بموجبها حركة احتجاج تمخض عنها إنشاء »حركة العروش« التي سحبت البساط من تحت أقدام الحركة البربرية، ومن يد الأحزاب التقليدية لمنطقة القبائل، وأصبحت »حركة العروش« ناطقا رسميا باسم المنطقة، ونظمت مسيرة ضخمة بالجزائر العاصمة بتاريخ 14 جوان 2001 أسفرت عن سقوط عدة قتلى منهم صحفيون. في هذه الظروف، أي قبل ثماني سنوات، أعلن فرحات مهني عن حركته الجديدة المعروفة باسم »الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة القبائل« )ماك(، وقبلها كان سالم شاكر أول من أعلن عن حركة من هذا النوع، لكن الذي التزم بها أكثر هو فرحات مهني. واليوم، بعد أن فقد كل مصداقيته في منطقة القبائل، وبعد أن فقد المكانة السياسية التي حظي بها في رحاب الأرسيدي، يأتي فرحات مهني ببيان ملئ بالأكاذيب، ليعلن للرأي العام الوطني والدولي عن تأسيس حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل. وانكشف الهدف الرئيسي منها بتنصيب نفسه زعيما، بترؤسه هذه الحكومة. ويتضح من الوزارات التي تتكون منها الحكومة، اضطرابا في التفكير، خاصة عندما نجد أن الحكومة تسمى »حكومة الحكم الذاتي« وحركة مهني »حركة الحكم الذاتي« وتضم الحكومة وزارة »العلاقات الدولية«، مع العلم أن نظام الحكم الذاتي مثل نظام الفدراليات ، لا يسمح بوجود وزارة الخارجية ولا وزارة الدفاع، فهما وزارتان تابعتان للحكومة المركزية. والحقيقة أن هذا الخبر بالنسبة لكل الجزائريين، بما فيها سكان منطقة القبائل، هو »لا حدث« لكن عدم دحض أكاذيب فرحات مهني، في الخارج، قد يحول اللاحدث إلى حدث مدوي، وخاصة أن المرحلة القادمة التي سينتهجها فرحات مهني، هي الربط بين حكومته وحركة التنصير التي تستهدف منطقة القبائل على وجه الخصوص.