الاقتراح الذي تقدم به رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، والمتمثل في ضرورة أن تحل الجزائر والمغرب مشكل نزع ملكية الأراضي في الجانبين، عبر أسلوب الحوار، يجب أن يأخذ بالجدية المطلوبة خاصة من قبل الرباط، ولما لا تكون الدراسة المشتركة لهذا المشكل فاتحة لحل باقي القضايا العالقة التي تحول دون تطبيع العلاقات بين البلدين، بما في ذلك مشكل الحدود البرية المقفلة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وفرصة لإبعاد القضايا الخلافية المرتبطة بمصالح البلدين، عن النزاع في الصحراء الغربية، باعتباره قضية تعالج ضمن أطر أممية معروفة ولا داعي لاستعمالها لتعميق الصدع بين الشعبين الشقيقين. النظام المغربي لا يريد أن يفهم أو يستوعب المنطق السليم الذي يقتضي بأنه إذا كان هناك مغاربة، كما يزعم، أخذت السلطات الجزائرية أملاكهم غصبا بعد مسيرة العار التي انتهت في منتصف السبعينيات باحتلال الصحراء الغربية، هناك في المقابل ألاف الجزائريين الذي طردوا وانتزعت ممتلكات وهجروا من أراضي ومزارع ومحلات هي ملكهم منذ قرون وتوارثوها أبا عن جد، خاصة وان الجزائريين الذين أخذت أملاكهم كما سبق للوزير المكلف بالجالية بن عطا الله أن أكد لم يتم تعويضهم عكس بعض الأوربيين الذي طبق عليهم نفس الإجراء. لقد ألقى نظام المخزن بكل ثقله لصالح ما سمي » جمعية المغاربة المرحلين من الجزائر«،فحرضها على مقاضاة الجزائر في المحافل الدولية والإساءة لصورتها، واتخذ من هذه الجمعية وسيلة وأداة للمساومة والابتزاز، بل إن الرباط قد زجت بمن يسمون ب »ضحايا الطرد التعسفي منه الجزائر«، في حروب سياسية مع الجزائر، وفي المطالبة بإعادة فتح الحدود وما يسمى بالوحدة الترابية للمغرب، مع العلم أن الرباط لا يهمها أصحاب القضية، إن كانت هناك قضية أصلا، وهو يعلم يقينا بأن الطريقة التي يمليها على الجمعية المذكورة لن تؤدي إلى أي شيء إيجابي، بل لن تحقق حتى الضغط على الجزائر أو حملها على أعادة فتح الحدود المغلقة، من دون قيد أو شرط، ولن تزيد إلا في التباعد بين الأشقاء وفي طمس معالم كل القضايا الخلافية وتركها تنخر العلاقات الهشة، بدلا من حلها. والواقع أن ما قاله مصطفى فاروق قسنطيني لا يخرج عن طار الكلام الذي أكد عليه الوزير المكلف بالجالية، بل لا تخرج حتى عن إطار مضمون الموقف الجزائري فيما يتعلق بملف الحدود البرية، ذلك أن الجزائر ليست ضد إعادة فتحها وإنما المطلوب فقط هو أن تعالج كل المشاكل العالقة وتسوى القضايا الخلافية بما فيها مسألة تأمين الحدود من جهة المغرب الذي يبدو انه يتساهل مع المهربين وتجار المخدرات وحتى تجار السلاح والمتفجرات الذين يتربصون يوميا بأمن واستقرار الجزائر، ثم أن يعترف النظام المغربي بأنه قد أذنب لما ادعى مسؤولية المخابرات الجزائرية في تفجير فندق مراكش. لا شيء يوحي بان الرباط تريد الخير وتسعى فعلا إلى تطبيع علاقاتها مع الجزائر، وكل الخطابات المعسولة التي يرددها العاهل المغربي محمد السادس أو رئيس وزرائه والمسؤول الأول على الدبلوماسية المغربية، هي مجرد مغالطات لتسويق صورة سلبية عن الجزائر واتهامها برفض التطبيع وتحميلها مسؤولية التصعيد في المنطقة، ولعل أحسن دليل على سوء النية هو إثارة قضية ما سمي بمولاي الذي ادعى بأنه عميل سابق للمخابرات الجزائرية وأنه شارك في الإعداد اللوجستي لتفجيرات فندق مراكش. الحوار بين الجزائر والمغرب قد يعجل بحل قضية آلاف الجزائريين الذين انتزعت منهم ممتلكاتهم،وقد ينهي فصول طويلة من التجافي ومن التوتر الذي لن يقدم أي شيء ايجابي للشقيق في الجهة الغربية، وأي محاولة لربط الحوار بالقضية الصحراوية كما هو حاصل حاليا لن يفيد الرباط بالدرجة الأولى، وماذا لو بقيت المشاكل على حالها، فهل يكون ذلك كافيا لزحزحة الجزائر عن موقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال،فالعديد من المحاولات المتكررة من هذا القبيل باءت بالفشل الذريع، بل إن كل التحامل والاتهامات الباطلة لن تفيد في شيء لأن العالم اجمع يعرف من يحتل الصحراء الغربية ويدرك أيضا أبعاد الأطماع التوسعية للعرش العلوي.