لو حدثنا أي إنسان أن قطر »الصغيرة بمساحتها وشعبها« تستطيع أن تتغلب على »أمريكا العظيمة بمساحتها وتعداد سكانها وقوة اقتصادها وترسانتها العسكرية الفتاكة«.. ما كنا لنصدق.. لكن الحقيقة سطعت أمام العالم جميعا وبدون غموض أو تأويل، لقد انتزعت قطر تنظيم كأس العالم 2022 من بين منافسين أقوياء وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة التي تصفها الدعاية الأمريكية بأنها بلد الإمكانات اللامحدودة والبلد التي يصبح فيها الحلم حقيقة. لماذا فازت قطر الصغيرة وانهزمت أمريكا العظيمة؟ هل قدمت قطر رشوة كبيرة لكل الناخبين في الفيفا التي ينخرها الفساد والرشاوي؟ الجواب بدون شك .. لا ، لم تفعل ذلك، لأن إسناد تنظيم كأس العالم لأي بلد كان، إنما يتم بناء على تقديم ملفات تتم دراستها من قبل الخبراء ومن جميع النواحي.. المنشآت الرياضية، ومنشآت الاستقطاب مثل الفنادق، ومنشآت الأمن وغيرها.. من هذه الناحية فازت قطر على أمريكا وليس من أي ناحية أخرى. قطر ، وصفتها التقارير الدولية خلال شهر نوفمبر الماضي بأنها الدولة الشرق أوسطية التي حققت أعلى معدلات النمو على صعيد التنمية البشرية، وحققت تطورات ملحوظة على صعيد المنشآت والهياكل القاعدية، وبلد يتميز بالتنافسية على جميع قطاعات النشاط الاقتصادية، فلا غرو إذن ولا عجب أن تفتك بجدارة واستحقاق تنظيم بطولة كأس العالم 2022 . حتى على الصعيد السياسي أصبحت دولة قطر في المقعد الأمامي لمعالجة القضايا القومية، من لبنان إلى فلسطين إلى السودان، وأصبح صوتها يعلو تدريجيا في المحافل الدولية، وأصبحت قبلة للوطن العربي، منتزعة القبلة من بلدان تفوقها تاريخا ومساحة وسكانا.. لقد أدركت قطر سرا من أسرار بناء الدولة الحديثة، إنها »القوة الليّنة« التي تتميّز بتوليد الأفكار والإبداع والعمل على تحويل الفكرة إلى حقيقة مجسدة..إنه الإستثمار في الإنسان واستقطاب كل الكفاءات في العالم إلى الدوحة من أجل هذه التنمية وبذلك أصبحت قطر تأخذ مكانها بجدارة ضمن المجموعة الدولية، كصوت وكفكرة وكإبداع .. ذلك الإبداع هو الذي جعل الملف القطري لتنظيم كأس العالم يشتمل فكرة »تبريد الملاعب«، حيث يتم إنزال درجة الحرارة من »مرتفعة إلى معتدلة« مقبولة من طرف الجميع وتتيح الفرصة لمنافسة رياضية في أعلى مستوياتها. الولاياتالمتحدةالأمريكية مازالت تعتقد أن »القوة الصلبة« هي أساس التفوق، وقد عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتصريحه »الصلب المتعجرف« مباشرة بعد الإنتخابات عندما قال: »إن إسناد كأس العالم 2022 لقطر هو خطأ كبير«، لكن انتخابات الفيفا بيّنت عكسها بوضوح، لأن القوة الصلبة لم تعد مناسبة للهجوم، إنها مجرد وسائل ردع ودفاع وحماية المصالح. وهكذا كلما تكبر دولة صغيرة تسقط أخرى كبيرة .. فالعالم الآن تحكمه دول القوة الناعمة أولا وأخيرا .. وهذا هو سر فوز قطر الصغرى على أمريكا الكبرى. إن فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 هو مفخرة لجميع العرب والمسلمين.. الشعوب وليس الحكام.. وهي رسالة لجميع العرب والمسلمين.. شعوبا وحكاما.