لا تزال جماجم المقاومين الجزائريين، "رهينة" لدى فرنسا التي حوّلتها من رموز للمقاومة إلى "تحف" للفرجة بمتحف "الإنسان"، في الوقت الذي كان من المفروض أن تدفن بما يليق بمقامها في الأرض التي أغتيلت من أجل تحريرها، ورغم الحبر الذي أسيل والتصريحات التي باتت تطلق في الفترة الأخيرة من الجانبين، الجزائري الذي يؤكد عزمه على استرجاع رموزه، والفرنسي الذي يتعنت ويتنصل من مسؤولياته، تبقى جماجم بوزيان وبوبغلة شاهدا على جرائم المستعمر ينتظر رد الاعتبار له وإعادته إلى الجزائر. في الوقت الذي تتضارب فيه التصريحات، المصالح والنوايا، لا تزال جماجم أبطال المقاومة الشعبية رهينة بمتحف "الإنسان" بباريس، تنتظر إجراء رسميا لاسترجاعها ودفنها بالأرض التي أغتيلت لتحريرها، فبين تمسك الجزائر وتشبثها بحقها في استرجاع رموز مقاومتها، وتعنت فرنسا ورفضها لحل ملفات الذاكرة، تبقى جماجم هؤلاء المقاومين محتجزة في خزائن متحف باريس، وفي الوقت الذي ترهن فيه الجزائر تطبيع العلاقات بين الجزائروفرنسا باسترجاع جماجم الشهداء والأبطال من متحف الإنسان بفرنسا، التي تعتبرها قضية شرف لكل جزائري وجزائرية، تواصل فرنسا صم آذانها أمام نداءات ودعوات مؤرخين جزائريين وحتى فرنسيين، لإعادة جماجم المقاومين الجزائريين، ولا تسمع إلا صوتها الرافض للاعتراف والإقرار بماضيها الأسود في الجزائر الذي لا تزال جماجم أبطالنا مثالا حيا يروي لزوار متحف باريس بشاعة ما ارتكبه المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري على مدار قرن وثلاثة عقود من الزمن، بل وتواصل السلطات الفرنسية التنصل من مسؤولياتها واتهام الجزائر بتأجيل حل ملفات الذاكرة. وتعمل السلطات الجزائرية على استرجاع الجماجم التي تؤكد في كل مناسبة وجود تنسيق بين وزارتي المجاهدين والشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وتكليف السفير الجزائريبباريس عمار بن جامع من أجل معاودة الاتصال بالسلطات الفرنسية في مسألة استرجاع الجماجم التي تشدد على أنها محل إجراءات تقنية لا أكثر، في حين تواصل فرنسا مراوغاتها ومحاولاتها اليائسة للقفز على ماضيها الاستعماري في الجزائر بحجة التطلع إلى المستقبل وترك مسألة الذاكرة للمؤرخين، وتزييف وجهها الحقيقي الذي لطالما حاولت إخفاءه وراء قناع الإنسانية والديمقراطية، الذي يفضحها تعنتها في ملف الجماجم، فمسؤولوها لم يكلفوا أنفسهم عناء إرجاع جماجم الشهداء والأبطال إلى بلدهم الأصلي، بل حوّلوهم إلى "تحف" معروضة للفرجة، رغم الرمزية الكبيرة والمكانة التي يحتلها هؤلاء الأبطال عند الجزائريين والدور الكبير الذي أدوه أواسط القرن التاسع عشر.