كراء المنازل خارج رقابة الدولة موضة ابتزاز مرموري في مواجهة مفردات قطاع مهلهل تعتبر العطلة الصيفية الموعد السنوي للمواطنين مع الراحة والاستجمام، في ظل مناخ حار يجعل الاتجاه إلى الشواطئ حاجة ملحّة عند الجميع، وكل على طريقته، تجتهد العائلات في التخطيط لهذه العطلة ، أما بالنسبة للوجهة فتختلف من واحد إلى أخر، ففي الوقت الذي يقصد فيه العديد من المواطنين الولايات الساحلية، يلجأ البعض إلى الوكالات السياحية للحجز بفنادق ومنتجعات الجارة تونس وغيرها من البلدان السياحية، التي أضحت القبلة المفضلة لدى الجزائريين، بالإضافة إلى بروز ظاهرة كراء المنازل وحتى المسابح في ظل الغلاء الرهيب للفنادق. في وقت أنظار الفاعلين والمتدخلين في القطاع ينتظرون وصفة الوزير الجديد للقطاع حسن مرموري لانقاذ ما يمكن انقاذه واعادة ماء وجه السياحة الجزائرية الغارقة في وحل الرداءة رغم الثروة ومكنوزات السياحة المهملة. في كيفية قضاء العطلة الصيفية بعد عام كامل من العمل والدراسة، يفكر العديد من الجزائريين في قضاء الوقت بعيدا عن روتين البيت والمدرسة والعمل أصبح مطلبا ملحا لدى العديد من الأسر التي اتجهت نحو التفكير الجدي في ادخار جزء من المرتب طوال العام وصرفه خلال فصل الصيف حتى وإن لم تتجاوز مدة العطلة عشرة أيام، المهم بالنسبة لهم هو الترويح عن النفس ولو لأيام معدودات، ويبقى المرتب الثنائي للزوجين هو الحل الوحيد الذي يمكّن الأسر من التوجه إلى البحر، سواء في الجزائر أو في الخارج. تقشف سنة لعطلة اسبوع في الصيف تمكنا من خلال جولتنا الاستطلاعية التقرب من عدد من العائلات الجزائرية من أجل الاستفسار عن كيفية قضاء عطلتها هذا الصيف، حيث وجدنا فئة منها تعتبر مشروع العطلة يخطط له منذ بداية السنة، يقول "حميد" من العاصمة على سبيل المثال أنه يقوم باقتطاع مبلغ من مرتبه الشهري خلال السنة، ليتحصل مع حلول موسم الاصطياف على مبلغ يمكّنه من قضاء عطلة في منطقة سياحية، وشأنه في ذلك شأن الكثير من الجزائريين، على غرار "وفاء" التي توفر من مرتبها طوال السنة وتترك المصروف على زوجها لتفاجئه في في فترة العطلة بمبلغ مالي يمكنهما من استئجار بيت صيفي في منطقة من المدن السياحية في الجزائر، وفي هذا السياق قالت "وفاء" أنها تحرم نفسها من الكثير من كماليات الحياة في سبيل قضاء عطلة صيفية تمكّنها من الاسترخاء بعد سنة كاملة من التعب والإرهاق. ما بال الأسرة العديمة الدخل..؟ وعليه أخبرنا "مصطفى" أن دخل المواطن العادي لا يخوله مجرد التفكير في السياحة، فهي حلم بعيد المنال بالنسبة لشخص يقبض مرتبا شهريا واحدا، "فلم أسافر إلى أية ولاية من ولايات الوطن، ففي موسم الاصطياف لا يتاح لي سوى زيارة الحدائق العمومية أو اللجوء إلى بعض شواطئ البحر بالعاصمة، والتي تكلف نزهة يوم واحد فيها ما بين 2000 دج و 3000 دج لتغطية مصاريف التنقل والأكل والمشروبات المنعشة، وإذا كانت نزهة واحدة مع أفراد الأسرة تكلف هذا المبلغ فما بالكم بالسياحة خارج الولاية؟" يتساءل محدثنا أيضا. وفي نفس السياق، أدلت موطنة أخرى بشهادتها "ذهبت وعائلتي الأسبوع الماضي إلى شاطئ "مزافران" فاستأجرنا طاولة وكراسي مع مظلة ?2000 دج، وهذا السعر المرتفع لا يسمح للموظف البسيط طبعا أن يرتاد الشواطئ يوميا. أما "أم مريم" التي كشفت أن ميزانيتها لا تسمح لها بارتياد المركبات السياحية والفنادق، فتجد الحل في ربط برامج رحلاتها الاستجمامية بالأماكن التي يقطن فيها أقاربها على غرار تيكجدة، حمام ملوان، والشفة، لتختزل بذلك مصاريف الإقامة، قائلة: "إن نزهة يوم واحد مع أفراد العائلة تكلف حوالي 5000 دج إلى 8000 دج لتأمين متطلبات الأكل، حظيرة السيارات، الاستجمام، المثلجات ويضاف لها ضرائب بعض المعروضات المغرية في الأماكن السياحية، سيما وأننا نكون تحت مخدر اسمه "خطرة في الغرة" يدفعنا للاستسلام لرغباتنا. وبحسب وجهة نظر "جميلة" فأفادت: "صحيح أن الإيواء السياحي ليس في متناول المواطن البسيط، ومع هذا ليست السياحة الداخلية أمرا مستحيلا، إنما مشكلتنا تكمن في افتقارنا لثقافة السياحة التي تختزل التخطيط للعطلة من قاموسنا، وأضافت أن الاقتصاد هو الحل للاستمتاع بفترة من الراحة وتفريغ شحنات الضغط الناجمة عن 11 شهرا من العمل". كراء المنازل الملاذ من غلاء الفنادق تحولت الأحياء السكنية في الولايات الساحلية إلى فنادق مفتوحة لاستقبال المواطنين بأسعار خيالية، حيث يتراوح سعر إيجار الشقة الواحدة ما بين 5000 دج ومليون سنتيم لليلة الواحدة، وهو السعر الذي يجد المواطن نفسه مجبرا على دفعه في ظل العجز الكبير الذي تشهده الجزائر في المرافق السياحية والفنادق، التي تم حجزها بالكامل قبل بداية موسم الاصطياف، بالإضافة إلى الغلاء الذي لا يصدق. وعليه لم يعد الكثير من الجزائريين يفكرون في الفنادق والمركبات السياحية لقضاء عطلتهم السنوية، حيث باتت الوكالات السياحية وحتى المواقع الإلكترونية تعرض إعلانات لا تنتهي لمواطنين يعرضون سكناتهم للإيجار، مقابل أسعار خيالية، وفي بعض الأحيان أغلى من تلك المعتمدة في الفنادق، فشقة من ثلاث غرف في مدينة سياحية يتجاوز سعرها مليون سنتيم لليلة الواحدة وينخفض السعر كلما قلّ عدد الغرف وابتعدت الشقة عن البحر والمرافق الضرورية. ظاهرة إيجار سكنات المواطنين لقضاء العطلة الصيفية باتت تتسع من عام لآخر لتتحول أحياء بكاملها على البحر إلى فنادق لاستقبال المصطافين، الذين يشتكون من ارتفاع الأسعار مقابل الخدمات المقدمة، وهذا ما دفع الكثير من الجزائريين إلى اختيار قضاء العطلة خارج الوطن، حيث تستقطب تونس حصة الأسد من المصطافين الجزائريين الذين باتوا يفضلون كراء شقق بأسعار أقل بكثير من تلك المعتمدة في الجزائر. وهذا ما شدّد عليه عدد من المواطنين الذين قابلناهم، الذين أكدوا ارتفاع أسعار السياحة الداخلية بالنسبة لدخل المواطن، مشيرين إلى أن الغلاء يضطرهم لكراء شقق ومنازل أو الإقامة عند أحد معارفهم وأحبابهم. وحسب إجابات البعض ممن استطلعت "صوت الأحرار" آراءهم، فإن السياحة الداخلية غاية صعبة المنال، كونها باتت حكرا على فئة "الميسورين حالا" ضمن المجتمع، مع تأكيد البعض على "اختزال" فكرة السياحة "باستثناء نزهات البحر" من قائمة برنامجه الصيفي. حيث أخبرنا "حكيم" بائع مستحضرات تجميل أن السياحة الداخلية بالجزائر أصبحت حلما، سواء بالنسبة للعائلة أو الفرد الواحد، خاصة أن بعض الفنادق مثلا تفرض مبلغ 5000 دج فما فوق للإقامة ليلة واحدة مقابل خدمات تحت الصفر، "لذا نفضل نحن الشباب عادة المساهمة في توفير مبلغ كراء شقة في المناطق السياحية لنتمكن من الاستمتاع ولو لفترة محددة بأجواء الصيف". ومن جهتهم أفاد مختلف خبراء السياحة وأصحاب الوكالات أن كراء الشقق وفضاءات الإيواء عند الخواص ليست ظاهرة مقتصرة على الجزائر فحسب، بل العديد من الوجهات السياحية تلجأ إلى هذا النوع من الإيواء، لدعم أو تنويع طاقاتها الإيوائية وتعزيز جاذبيتها السياحية، وهذا له دور لا يستهان به، للتخفيف من حدة نقص مرافق الإيواء، لكن يجب أن تتم هذه العملية في إطار قانوني صارم ومراقبة متواصلة، خصوصا على صعيد النظافة والنوعية. وكالات السياحية تخضع للأمر الواقع في خرجة ميدانية قادت " صوت الأحرار" إلى بعض أصحاب الوكالات السياحية بالعاصمة حيث أجمع غالبيتهم أثناء تقربنا منهم أن عطلة الصيف ستكون خارج الجزائر لدى الكثيرين ممن يفضلون قضاء عطلة صيفية مميزة، وهذا بسبب نقص السياحة الاستقبالية في بلادنا وانعدام الهياكل القاعدية للاستقبال ومرافق الإيواء والمنتجعات السياحية إلى جانب تدني مستوى الخدمات وقلة اليد العاملة المؤهلة بمقاييس عالمية حسب ما أكده العديد من المواطنين الذين يقصدون الوكالات. وفي هذا السياق صرح قويدر رمضاني صاحب وكالة سياحية "آل تور" بأعالي الأبيار، قائلا:" تونس تبقى الوجهة السياحية المفضلة لدى الجزائريين، نظرا للأسعار المغرية التي تعرفها السياحة التونسية والخدمات الرفيعة، مقارنة بما تقدمه المرافق السياحية الجزائرية والتي يتفق الكثيرون على أنها تبقى شبه غائبة مقارنة بالدول المجاورة"، في حين أكد أمين.ح صاحب وكالة للسياحة والأسفار ببلدية باب الزوار، بالعاصمة، " الجارة تونس هي الوجهة رقم واحد لدى الجزائريين بفضل ما تزخر به من مقومات سياحية تجلب الزوار في كل موسم اصطياف، والأسعار المغرية التي تتماشى مع رغبة الزائر مما أهلها لأن تكون المتجه المفضل لدى العائلات الجزائرية". تونس، المغرب وتركيا الوجهات المفضلة للجزائريين من جهة أخرى دخلت تركيا سباق المنافسة مع تونس لجلب اكبر عدد من السياح الأجانب وفي مقدمتهم الجزائريين حيث بدأت في الترويج لسياحتها عبر مختلف القنوات التلفزيونية العربية والأجنبية من خلال المسلسلات والأفلام التركية التي تعرض على شاشة التلفاز مما جعلها محل فضول لدى الكثيرين من أجل اكتشافها والتمتع بمناظرها الخلابة، كما أن للوكالات السياحية الموزعة على ربوع الوطن هي الأخرى دور جد هام في الترويج للسياحة التركية حيث عملت على توفير تخفيضات مغرية لزبائنها من خلال توفير العديد من الخدمات السياحية، خصوصا بعدما استطاعت أن تسحب البساط من تونس لمدة طويلة بعد الأحداث التي شهدتها تونس والأوضاع التي عرفتها خلال السنوات الأخيرة فيما سمي "بالربيع العربي"، حيث اختار بعض الجزائريينتركيا كبديل لقضاء العطلة لما تتميز به من أماكن سياحية جميلة على غرار "أنطاليا، ساحل الليسية، بودروم، كوساداسي" والتي استقطبت العديد من الزوار لاكتشفاها. وفي ذات السياق يضيف صاحب وكالة "آل تور" أن تونسوتركيا تتربعان على عرش البلدان الأكثر طلبا من قبل الجزائريين في السنوات الأخيرة موضحا بذلك أن الكثير من الجزائريين قد حجزوا مسبقا مقاعدهم للسفر إلى اسطنبول وأنطاليا. كما أن للمغرب هو الآخر الحظ أيضا في استقطاب العديد من السياح الجزائريين، نظرا لما يزخر به من مقومات وخدمات ومرافق حيوية جد هامة، على اعتبار أنه يتقاسم العديد من العادات والتقاليد مع الجزائر، بالإضافة إلى استعداده الكلي مع كل موسم اصطياف لاستقبال السياح من مختلف أنحاء العالم، حيث صرح إلياس سنوسي صاحب وكالة "سفير تور" أن أكثر من عشرة آلاف سائح أسبوعيا يقصدون المغرب".