تشهد مادة حليب الأكياس المُدعم ندرة حادة هذه الأيام عبر مختلف مناطق الجزائر العاصمة، ما تسبب في عودة قوية للطوابير التي لم تشهدها البلاد منذ التسعينيات إلا في حالات خاصة، وقد خلق هذا الوضع حالة تذمر واسعة وسط المواطنين الذين انتقدوا بشدة لجوء المسؤولين دوما إلى نفي وجود ندرة وإرجاع الأمر إلى مجرد سوء توزيع، عكس الواقع تماما، يأتي ذلك في ظل التدهور الملحوظ الذي تشهده القدرة الشرائية منذ سنتين على الأقل. أصبح مشكل اقتناء حليب الأكياس المُدعم يُنهك فعلا العائلات الجزائرية الفقيرة والمتوسطة، بسبب الندرة التي مست هذه المادة الاستهلاكية الحيوية منذ مطلع شهر جانفي الماضي، أي بدخول قانون المالية 2017 حيز التنفيذ باعتباره تضمن التقليص من الغلاف المالي المُوجه لدعم الحليب، وقد اختارت بعض العائلات آنذاك، اقتناء الحليب غير المُدعم، الذي تتراوح أسعاره بين 40 و100 دج، ولجوء أخرى إلى تقليص الكمية المستهلة يوميا أو حتى إلغائها بشكل نهائي، لكن بمرور الأيام والأسابيع والأشهر لم تصمد هذه العائلات في مواجهة المصاريف الشهرية بالنظر إلى الغلاء الذي مس عديد المواد الغذائية وغير الغذائية الأخرى، ما جعلها تعود إلى الحليب المُدعم، وهو الشيء الذي خلق أزمة حقيقية وأعاد طوابير التسعينيات إلى الواجهة بشكل فاضح جدا. ومن هذا المنطلق، لجأ بعض أصحاب المحلات التجارية إلى الاستغناء نهائيا عن بيع هذه المادة لما تجلبه له من مشاكل ومناوشات مع الزبائن، من جهة، وكونها ليست مُربحة من جهة أخرى، فيما فضل البعض الآخر استعمالها لبيع مواد أخرى، وإذا كان البعض من هؤلاء لا يُعلنون ذلك بشكل مُباشر فهناك من لا يخاف لا الله ولا الرقابة ويطلب منك أن تشتري من محله مواد غذائية أخرى أو يحرمك من كيسين حليب في اليوم الموالي. وقد زادت حدة ندرة حليب الأكياس المُدعم خلال الأسابيع الأخيرة، ما أنتج، كما سبق الذكر، طوابير يومية أمام المحلات التي تبيع هذه المادة، فرغم التطمينات المتكررة التي تطلقها من حين لآخر السلطات الرسمية وتأكيدها بأن الخلل، أو سبب الندرة، يكمن في التوزيع وليس في إنقاص الكمية الموجهة للدعم، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك تماما، فبإمكانك، اليوم، أن تلحظ الطوابير في كل محل يتأكد بأنه سيُمون بعد ساعة أو أكثر بحليب الأكياس المُدعم، وهو ما يحدث في كل مناطق الجزائر العاصمة، ببلدياتها المنتشرة في الجهة الغربية والشرقية وحتى وسط العاصمة، وهناك من المواطنين الذين أكدوا لنا بأنهم يتجهون مباشرة بعد صلاة الفجر إلى المحلات لانتظار هذه المادة وشددوا على أن الطوابير التي تتكون في الصبيحة لم يشهدوها منذ التسعينيات. وأمام هذا الوضع، يُضيف هؤلاء، لجأ بعض التجار، إلى استعمال طرق بالية في بيع هذه المادة، ناهيك عن الشجارات والملاسنات التي تحدث يوميا وعبر مختلف المناطق بين الزبائن وأصحاب المحلات، من جهة، وفيما بين الزبائن، من جهة أخرى. ولا يخفي أحد التجار المدعو أحسن.م بالشراقة لجوئه إلى بيع الحليب تحت الطاولة قائلا "أنا لا أتحايل في بيع هذه المادة وإنما أتركها لزبائني فمن غير المنطقي أن يأتي زبون لا أعرفه يشتري الحليب المُدعم فقط ليأتي بعد ذلك مُداوم على المحل وأقول له الحليب غير موجود.. "، أما تاجر آخر بالدويرة فأكد لنا بأنه امتنع منذ حوالي ثمانية أشهر عن بيع هذا النوع من الحليب لما جلبه له من مشاكل يومية وحتى شجارات تسببت في جرحه. في نفس السياق، أكد أحد المواطنين ببلدية باب الوادي أن عديد المحلات التجارية أصبحت تتجنب بيع هذه المادة الحيوية، مبديا أسفه العميق لما آل إليه الوضع وذهب يقول "الظروف المعيشية أصبحت صعبة جدا بالنسبة للطبقتين الفقيرة والمتوسطة وعلى السلطات تدارك الأمر في أسرع وقت لأن عدم تمكن المواطن من كيس حليب قد يجعله يثور في أي لحظة".