يجمع المتتبعون للشأن السياسي بالجزائر على الخسارة التي مني بها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بعد أن فشل في تجنيد الشارع وراح يعارض من أجل المعارضة ليس إلا، من خلال تنظيم مسيرات غير مرخصة متكررة كل يوم سبت، بهدف إضعاف السلطة، وتحقيق صدى إعلامي لا يتعدى دائرة الحركات الاستعراضية التي لم تزد المواطنين إلا نفورا من هذا الحزب، في وقت قررت فيه الدولة رفع حالة الطوارئ واتخذت إجراءات جدية للتكفل بانشغالات الشباب، سعدي لم يلتزم بقرارات الدولة التي تمنح له إمكانية تنظيم مسيرات في ولايات أخرى وبقي متمسكا بالعاصمة، حيث قرر تنظيم ثلاث مسيرات في العاصمة في يوم واحد، إنها محاولة أخرى لإثبات الذات. تباينت إستراتجية الأحزاب السياسية والحركات الجمعوية في التعامل مع مختلف الأحداث التي عرفتها الجزائر جراء أحداث الشغب والتخريب نهاية شهر ديسمبر الفارط، حيث سارعت بعض الجهات التي تصنف نفسها ضمن قائمة المعارضة إلى تبني ما حدث والتعبير عن سخطها تجاه الوضع الراهن، فيما عمدت أحزاب سياسية أخرى وعديد الجمعيات إلى سياسة التهدئة واستيعاب الغضب الشباني، وجاءت قرارات مجلس الوزراء متتالية ابتداء بتخفيض أسعار الزيت والسكر وتسقيف بعض المواد الاستهلاكية ووصولا إلى قرارات سياسية مهمة. إن ما حدث في الجزائر تزامن مع ثورات شعبية في دول مجاورة على غرار تونس ومصر، إضافة إلى حالات اللااستقرار والاحتجاجات التي تعرفها دول أخرى في المنطقة العربية، وأمام هذه التطورات، استغل زعيم الأرسيدي، سعيد سعدي، الفرصة ليزرع البلبلة ويطالب برحيل النظام، وكانت أول مسيرة غير مرخصة قام بها يوم 36 جانفي، والتي انتهت بفشل ذريع باعتبار أنها بقيت حبيسة مقر الحزب بالعاصمة. محاولات أخرى يوم 12 و19 فيفري بالتحالف مع التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية والنتيجة أن هذه المسيرات عجزت عن احتواء الشارع، ناهيك عن كونها كانت غير قانونية، وبالنظر إلى هذه المعطيات، قرر أصحاب التنسيقية الانسحاب وتغيير إستراتجية العمل وتبني خطة جديدة للانتشار، وبالفعل انفصلت عن كل التيارات الحزبية وفضلت أن تعمل وفق أطر نضالية مغايرة استجابت إلى حد ما إلى الإجراءات التي اتخذتها الدولة لا سيما فيما يتعلق برفع حالة الطوارئ. وبالمقابل، فإن زعيم الأرسيدي لم يتجاوب مع المبادرات الرامية إلى تحسين وضعية المواطنين، وفضل المسيرات المتكررة، كانت تفقد في كل مرة مغزاها والهدف المرجو منها وكان عدد المتظاهرين يتضاءل في كل موعد، خاصة وأن سعدي انتقد كل المبادرات الحسنة بما فيها الرسالة التي بعث بها عبد الحميد مهري إلى رئيس الجمهورية، كما أنه يرى بأن قرار رفع حالة الطوارئ لا معنى، إلى درجة أنه برمج ثلاث مسيرات يوم السبت المقبل بالعاصمة في حركة استعراضية غير مسبوقة لإثبات الذات بعدما فقد مصداقيته كحزب سياسي. تشكيلات سياسية عديدة سعت إلى التكيف مع القرارات الجديدة في مبادرة ذكية منها لتنشيط الساحة السياسية ولم تصطدم مع السلطة، حيث نجد أن حزب القوى الاشتراكية قرر تنظيم تجمع شعبي في قاعة الأطلس يوم الجمعة المقبل، فيما اختارت التنسيقية برنامج عمل جديد ولم يبق إلا الأرسيدي الذي أصبحت مطالبه مفرغة من كل معانيها، خاصة وأن حالة الطوارئ رفعت رسميا، إضافة إلى مبادرات أخرى اتخذت لتكريس الممارسة الديمقراطية في البلاد، ويبقى أن حظر المسيرات في العاصمة مرتبط أساسا بالتهديدات الإرهابية التي قد تطال هذه المدينة على حد تصريحات المسؤولين في الدولة وهو الأمر الذي لم يتمكن الأرسيدي من تقبله وفضل أن يعارضه من أجل المعارضة فقط.