إستمتع، سهرة أول أمس، جمهور قاعة دار الثقافة عبد القادر علولة بعاصمة الزيانيين تلمسان، بأول عرض مسرحي في إطار تظاهرة »تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية« الموسوم »مدونات المنشود بين المفقود والموجود.. شخوص وأحداث من مجالس التراث« للمخرج العراقي الراحل قاسم محمد ،وحقق العرض عناصر الفرجة المسرحية من سينوغرافيا وموسيقى، وزاد إنغماس الممثلين في تفاصيل النص وترجمته ركحيا قوة حولته إلى طقس تراثي مهرب من العصر العباسي وعرض كبير بطقوس مسرحية رفيعة المستوى. يحرك العمل ركحيا، نخبة من الفنانين الشباب ممن يمتلكون عناصر الأداء الجيد أمثال سليمان بن واري ، زهير الكريمايري ،بلال بوسواليم , عديلة سوالم ,العيد بن عمارة، باعيد شردوح توفيق رابحي، فاطمة شيخ وحفيظة بن رازي . المسرحية التي اشترك في إعادة إخراجها كل من حيدر بن حسين ،عباس فاضل آل يحي وابراهيم جاب الله، تندرج في إطار الملحمة الشعرية التي إستطاعت بلغة رمزية محملة بجرعة مكثفة من رصد يوميات الوطن العربي بتمظهراته الإجتماعية والسياسية والثقافية ،خاصة وأن المسرحية هي بمثابة إستمرار تاريخي لفكرة الصراع الأزلي بين المثقف والسلطة عبر التاريخ العربي المفخخ وانتصار إرادة الشعوب حينما تتحالف مع المثقف العذري والعضوي وليس مع المتسللين إلى قصور السلطة بدافع الربح والاستفادة مما يتيحه البلاط من هبة وسطوة . برمزية ورؤية إخراجيةعميقة ،استطاعت المسرحية أن تجذب الجمهوروتحمله إلى الراهن العربي وتعرّي على مدار ثمانين دقيقة من الزمن الركحي تخاذل الأنظمة العربية إجمالا، فضلاعن كشف الصراعات الداخلية القائمة ما بين السلطة والطبقة المثقفة، على مر التاريخ وكذا تلك الصراعات الخفية داخل النظام ذاته ما يضعفها ويبعث الوهن في مفاصل القرار. ولعل تلك الصرخة التي أطلقها أبي حيان ورددها وراءه الجياع من النساء والرجال من العامة » الوثبة ....الوثبة « وإيقاع العصي على الخشبة تحمل الكثير من الدلالات والأبعاد وتحمل خطابا للتغيير والثورة على الظلم والفسق السياسي والإنتصار لجميع المقهورين. موضوع المسرحية وبلغة عربية فصحى، صالح لكل زمان ومكان، لاسيما في ظل المعطيات التي يعرفها الشارع العربي في الوقت الراهن. وبالتمعن جيدا في ثنايا العرض ثمة قراءة معاصرة للتاريخ، تتجلى في إسقاط تلك الحقبة التي عاشتها بغداد خلال القرن الرابع للهجرة على بعض المستجدات تعيشها مؤخرا المنطقة العربية خاصة أمام الترهل العام للإنسان العربي وطموحاته أمام أفاقين سياسيين يمتطون الفزع وتنعكس في العمل رحلة الفقيه والمثقف والمتصوف أبي حيان التوحيدي في دروب التيه بسبب تهميش السلطة لقيمته وفكره النقدي وانتحار المفكروالعالم الجراح بسبب إهانة الوزي له . مهارات التمثيل والإخراج والسينوغرافيا ،عكست جدوى الورشة المنتجة أو ما يعرف بالدراماتورجيا التي تبناها الراحل قاسم محمد والذي يعني إعادة إنتاج مفردات العرض مرة بعد أخرى وبكثافة ووتيرة من خلال نظرية التفكيك والتركيب . وعلى هامش العرض ،أكد الناقد والباحث كمال بن ديمراد، أن المسرحية قراءة ركحية لحالة إنفجار الشارع العربي وشبابه ،وإن إختلف اللباس والزمان و المكان على الركح لما تعيشه المنطقة العربية من فوران وتمرد على الواقع ضمنها ما عرفته تونس ومصر وليبيا من تغيرات ،مؤكدا في سياقها ،أن التاريخ العربي يعيد نفسه ويكرر تجاربه التي لا يعرف قراءتها لكن يكفي العودة إلى محطات التاريخ العربي وإعادة إستقراءها وإسقاطها على اللحظة التي نعيشها لنكتشف تلك الهوة التي تبعد بين الحاكم والمحكوم وكأنها رحلة متجددة في التاريخ واستنساخ للتجارب الفاشلة واستطاع العقل المسرحي أن يعكسها ركحيا. من جهته، أوضح فتح النور بن براهيم ،رئيس دائرة الإتصال بالمسرح الوطني، أن الراحل قاسم محمد ،منح الشباب الجزائري المستفيدين من الورشة الممارسة للفعل المسرحي مفاتيح الولوج للمسرح بهوية عربية إسلامية بخطاب جمالي له تيماته ومفاصله التراثية، سواء على مستوى خيار النص أو في تحديد ملامح البناء السينوغرافي والرؤية الإخراجية التي عكسته. ما حققه العمل خلال منحه للمتفرج من لحظات سخرية معبقة بالتراث و الإحترافية . وأشار فتح النور ،أن الجزائر التي تحتفي طيلة 2011 بتظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية ،أرادت أن توجه تحية عرفان وتقدير للفنان الراحل الذي ترك بصمته المجددة والأصيلة في مسار المسرح العربي .كما تلائم المسرحية تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية بالنظر إلى أن النص ينبظ برائحة التراث والوعي وأن النص باللغة العربية الفصحى. وقد تم إنتاج المسرحية سنة 2007 في إطار تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، وعمدت وزارة الثقافة إلى إعادة بعث هذا العمل لافتتاح نشاطات أبي الفنون في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، تكريما للمخرج الكبير وفقيد المسرح العراقي والمسرح العربي قاسم محمد. إضافة إلى مسرحية »مدونات المنشود بين المفقود والموجود«، سيكون التلمسانيون أيام 08، 09 و10 مارس المقبل على موعد مع مسرحية »ألف تحية لعرفية« للمسرح الجهوي لمعسكر لمحمد ديب واقتبسه امحمد بن قطاف. وتروي تاريخ بطلة المسرحية المتمثلة في المجاهدة ''عرفية'' العارفة بخبايا الثورة وأسرارها والتي تحاول نقلها إلى الأجيال الصاعد. للتذكير، العمل الذي تم إنتاجه من قبل مؤسسة المسرح الوطني محي الدين بشطارزي سيرحل في جولة إبتداء من التاسع مارس الجاري إلى ولايات سعيدة ، وهران ومستغانم.