ارتفعت حمى الصراعات داخل عدد من أحزاب المعارضة وعادت إلى الواجهة التكتلات القديمة والمواجهات بين بعض الشخصيات السياسية، بل وعات أسماء أخرى ظن الكثيرون أنها هجرت السياسة ولم يعد لها رغبة في مثل هذه النزاعات العقيمة، والمؤكد أن كل الهرج والمرج الذي تعيشه أحزاب تنسب نفسها للمعارضة ليس من باب الحركية السياسية العادية، وإنما شكل من أشكال السباق غير الشريف بين منتسبين لعالم السياسية ظنوا أن السلطة يمكن أن تفتح المجال أمام اعتماد تشكيلات سياسية جديدة فسعى كل واحد من جانبه إلى تصفية الحسابات مع خصومه طمعا في التكتل مستقبلا ضمن حزب جديد أو الانفراد بقيادة الحزب الذي ينتمي إليه حاليا والتخلص من منافسيه على مقاليد الحكم داخل الحزب طبعا. ظاهرة الصراع التي تميّز خصوصا حركة الإصلاح الوطني، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، جاءت في خضم الحديث عن التغيير على خلفية ما هو حاصل في المحيط العربي من انقلابات على أنظمة الحكم السائدة باسم »الثورة« وباسم التغيير والقضاء على الأنظمة الفاسدة والمستبدة، ويبدو أن التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلة دحو ولد قابلية والتي استبعد فيها اعتماد أحزاب جديدة إن أجلا أم عاجلا، وأن هذه الخطوة هي أكثر من ضرورة لكسب ثقة المعارضة وإقناعها بأن التحول والتغيير السلمي ممكن في الجزائر، وإيصال رسائل أخرى إلى الخارج الذي ينتظر حصول تغيير في الجزائر وإلا أمر بأن يتم التغيير على الطريقة الليبية أو الطريقة السورية واليمنية. ما يهمنا هنا هو مسألة اعتماد أحزاب جديدة، فهناك عدد من المشاريع التي تنتظر منذ سنوات تأشيرة الداخلية مثل حزب رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي، وحزب محمد السعيد.. الخ، وقد تكتفي السلطة باعتماد الأحزاب التي أودعت طلبات اعتمادها، ويمكن أن تفتح الباب على مصراعيه من أجل استقبال أي مشروع لتأسيس حزب من أي تيار أو مرجعية سياسية كانت وإن كان هذا الخيار يبدو مستبعدا مخافة من أن تفلت الأمور من بين أيدي السلطة فتتأسس أحزب قد تكون على شاكلة جبهة الإنقاذ المحلة أو أحزاب أخرى تتخذ من التطرف الجهوي أو العرقي أو اللغوي مشروعا لها. فمجرد بدأ النقاش حول إمكانية فتح باب الاعتماد حتى أعلن عدد من إطارات الأرسيدي انشقاقهم عن قيادة الحزب، وكأن اعتماد تشكيلات سياسية جديدة هو منفذ نجدة بالنسبة لهم، علما أن التجمع عاش خلال مراحل انقسامات، وكانت النتيجة في كل مرة الإلقاء بمجموعات كبيرة من الأعضاء المؤسسيين خارج الحزب على غرار ما حصل لفرج الله ولوناوسي وما حصل لعمارة بن يونس وقبله خليدة تومي، وبقي سعدي الثابت الذي لا يتغير لا يختلف في شيء عن قذافي ليبيا، يطارد خصومه »زنقة زنقة..«. وفضلا عن الأرسيدي عاد الصراع بين من كانوا يسمون ب»تقويمي حركة الإصلاح«، بين جمال بن عبد السلام وزميله السابق مولود قادري الذي ينازعه القيادة، وهناك حديث عن عودة بولحية إلى رئاسة الحزب، وحديث حتى عن إعادة الإصلاح إلى صاحبها الشيخ عبد الله جاب الله الذي انتزعت منه بعدما رفض هو الأخر الممارسة الديمقراطية وتداول السلطة داخل الحزب، علما أن الذين كانوا يتهمون الشيخ بالاستبداد لم يزرعوا قيم الديمقراطية داخل حركة الإصلاح، وأكثر من ذلك فقدت الحركة بريقها وكادت أن تزول من الخارطة السياسية. نوايا التغيير التي أشعلت الحروب داخل بعض أحزاب المعارضة، أعادت تذكير الجزائريين ببعض الأحزاب الموسمية التي خرج قادتها مجددا من سباتهم ليعلنوا أنهم على أتم الاستعداد للحصول على الغنائم، ويبدو أن الحديث عن إمكانية حل البرلمان وتنظيم تشريعيات مسبقة أصبح يسيل لعاب هذه الأحزاب وقياداتها التي تتحدث عن التغيير مع أن أي تغيير حقيقي وأي تكريس للممارسة الديمقراطية يقتضي بداية انسحاب هذه الوجوه من المشهد السياسي ليتركوا مكانهم لمن هم أهل لممارسة السياسية وقيادة الأحزاب.