يعترف سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية في الجزائر، »هنري أس. إنشر«، أن هناك مؤشرات لا تبعث على الاطمئنان بخصوص تطورات الوضع في ليبيا، وهو لا يستبعد وقوع ما أسماه »كارثة حقيقية« إذا لم تتضافر جهود المجتمع الدولي من أجل تفادي تكرار السيناريو العراقي مجدّدا. ويؤكد في هذا الحديث الذي خصّ به »صوت الأحرار« أن مساعدة الجزائر وخبرتها تبقى مهمة في سبيل تحقيق هذا الهدف خاصة وأنه يُعطي بلادنا دور الزعامة في المنطقة من منطلق تجربتها في مجال مكافحة الإرهاب. * استلمتم قبل أيام أوراق اعتمادكم سفيرا جديدا للولايات المتحدةالأمريكية في الجزائر، هل يُمكن أن تضعونا في صورة أولوياتكم بعد هذا التعيين؟ ** أولا وقبل كل شيء نحن لدينا مسؤولية حماية الرعايا الأمريكيين هنا في الجزائر، فمهمتنا تبدأ من الأمن. وفي الوقت الحاضر لدينا علاقة جيدة مع الحكومة الجزائرية في هذا المجال وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ونحن سنستمر في هذا المكافحة المشتركة وننظر إلى مؤتمر سبتمبر المقبل الذي تنظمه الجزائر حول الإرهاب باهتمام حيث سيكون حضور وفد كبير من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما الأمر الثاني الذي أريد الحديث عنه فهو مرتبط بوجود إمكانيات كبيرة في التعاملات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين خاصة في المجال الزراعي، فأنا من ولاية كاليفورنيا التي تجمعها أوجه تشابه كبيرة من حيث المناخ التضاريس مع الجزائر، وبذلك أعتقد أن هناك إمكانية كبيرة للتصدير من الجزائر نحو أمريكا وبعض الأسواق الأخرى. كما أؤكد على أمر ثالث لأننا نعتبر بأنه إضافة إلى كون السفارة الأمريكية لها علاقات رسمية مع الحكومة الجزائرية، فإننا نعتبر أيضا أننا هنا نمثل سفارة للشعب الجزائري مع الشعب الأمريكي، وهدفنا هو جلب ممثلين عن الشعب الأمريكي في كل المجالات، وطبيعي لكوننا سفارة أن نضع ضمن أولوياتنا توثيق الصلة مع الشعب الجزائري. * بعكس التعاون التجاري المحدود، فإن خصوصية العلاقات الوثيقة بين الجزائروواشنطن تتحدّد أكثر في مجال مكافحة الإرهاب. ما هي عناصر التعاون في هذا الجانب بالذات؟ ** لدينا بعض البرامج بالنسبة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب وخاصة تبادل المعلومات، وموازاة مع ذلك نحن نعتمد كثيرا على الخبرة الجزائرية في هذا الموضوع خاصة فيما يتصل بمكافحة تنظيم »القاعدة« في منطقة الساحل، كما أننا نركز حاليا على هذه المقاربة ضد هذا التنظيم. وإلى جانب ذلك نحن نؤيد جهود الجزائر في هذا الموضوع باعتبارها دولة إقليمية ولها الزعامة في هذه المنطقة. * لكن الجزائر واجهت الإرهاب لوحدها في فترة من الفترات، والولاياتالمتحدة لم تتعاون معها إلا بعد تعرضها لهجمات 11 سبتمبر في 2011. ألا تعترفون بأن هناك تقصيرا من جانبكم؟ ** نعم، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 كان هناك تغيّر في موقفنا من مسألة مكافحة الإرهاب، وأي بلد عندما يتعرّض إلى تهديد مباشر ضده سيكون التركيز على هذا الأمر خاصة لكما يكون فيه مصالح مشتركة مثلما يحصل بيننا وبين والجزائر بحيث إننا ننتظر أن تكون علاقات قوية أكثر. وأنا معكم تماما فيما يخص السؤال الذي طرحتموه لأنه خلال التسعينيات كنا ننظر إلى المشكلة على أساس تداعياتها الاستقرار الإقليمي بصفة عامة، ولم نكن ننظر إليها على أنها تشكّل أي تهديد ضدنا مباشرة. * تعيينكم في المنصب الجديد تزامن مع بروز ما يُعرف ب »ربيع الثورات العربية«. كيف تنظر الإدارة الأمريكية إلى الإصلاحات التي التزم بها الرئيس بوتفليقة منذ فيفري الماضي؟ ** أولا نحن نتعامل من جانب مراقبين فقط لهذه العملية التي تعكس علاقات الجزائريين بحكومتهم، وبذلك نريد نجاح هذه العملية السياسية وإذا كان هناك أي مجال أو طريقة لتأييد هذه الجهود فنحن جاهزون لذلك، ولكن أؤكد مرة أخرى أننا نحن هنا بصفتنا مراقبين. وبالطبع نعتقد أنه إذا كانت هناك عملية سياسية تتجه نحو الحل السلمي فإنها أفضل بكثير من الدخول في الفتنة والعنف مثلما يحصل في بلدان أخرى. أما إذا كان العكس ففي هذه الحالة نحن ننظر إلى الاستقرار والأمن، ولما تكون هناك تغيرات تأتي صدفة داخل النظام عن طريق الثورة وبعدها استعمال العنف فهذا شيء صعب بالنسبة للشعب، وبالتالي من الضروري أن ندافع عن مبدأ استعمال الوسائل السياسية والعملية السلمية حتى تحصل الديمقراطية في هذه المنطقة خاصة في الجزائر، وعموما ونحن نترقب هذه العملية ونتمنى أن تستمر حتى يتحقّق نجاحها إن شاء الله. * برزت مؤخرا تحليلات أمريكية توقعت بأن يأتي الدور على الجزائر بعد ليبيا. إلى أي مدى يُمكن التسليم بهذه المزاعم، وهل تعتقدون فعلا بأن بلادنا مهيأة لتعيش نفس الظروف التي مرّت بها تونس ومصر وليبيا؟ ** أعتقد شخصيا أنه تقريبا لا يُمكن المقارنة بين بلد وآخر وأقاليم أخرى في العالم لأن لكل بلد ظروفه وشروطه وتاريخه الخاص به، وكل هذه العناصر تؤثر على الوضع العام، ولذلك وحتى ولو كانت هناك ثورات في بعض البلدان الأخرى مثل مصر وتونس فإن ذلك هذا ليس مانعا من أنه من الضروري أن تحدث ثورة هنا في الجزائر. ولما أتحدث مع الجزائريين دائما أسمع منهم بأنهم كانت لديهم ثورة سابقة مروا بها وحرب خلال التسعينيات وأنهم لا يريدون أن يتكرّر ذلك مرة أخرى. والقضية المهمة في الوقت الحالي هي هذه العملية السلمية التي تتحقّق بدون استعمال عنف كوسيلة سياسية، وفي حالة الجزائر نلاحظ أن التاريخ والوضع الداخلي يختلف تماما عن بعض البلدان الأخرى مثل مصر وتونس وليبيا. * في المقابل، إلى أيّ مدى أنتم مقتنعون بأن هناك أرضية من شأنها أن تُساعد على نجاح عملية الإصلاح السياسي في الجزائر بعيدا عن سيناريوهات العنف مثلما أسميتموه؟ ** نحن نسمع كلاما من جانب الجزائريين بوجود رغبة للإصلاح، وهذا ما نطّلع عليه يوميا عبر وسائل الإعلام، وحتى هذه الرغبة من جانب الرئيس بوتفليقة ظهرت لتجسيد عملية الإصلاح، وطبعا هناك من يريد من هذه التغييرات أن تكون لها انعكاسات مباشرة على ظروفهم ليشهدوا بذلك تحسنا في ظروف معيشتهم، ولكن هذه الرغبة ممكن أن تأتي من عملية الإصلاح بدلا من الطرق التي رأيناها في بعض البلدان الأخرى، لأنه كما ذكرت فإن الظروف العامة وتاريخ الجزائر تختلف تماما عن هذه البلدان التي أشرت إليها. * أنتم تشيدون بجهود الجزائر في الإصلاح ومكافحة الإرهاب، في وقت تطلعنا تقارير صادرة عن هيئات رسمية أمريكية باتهامات تؤكد بأن هناك ازدواجية في خطاب الإدارة الأمريكية مثلما حصل مع اتهام بلادنا بالمتاجرة بالبشر وبعدها التضييق على الحريات. لماذا هذا التناقض؟ ** الحكومة الأمريكية هناك ثلاث جهات تبدي مواقفها، نحن في الإدارة لدينا أفكارنا ولكن هناك أفكار أخرى تقدّم في شكل قوانين من جانب الكونغرس وهذا هو الاختلاف، ولذلك نحن مطالبون بكتابة تقارير كل سنة عن كل البلدان في العالم. وحتى داخل الإدارة الأمريكية هناك مكاتب ووكالات توكل لها مسؤولية عن موضوع من المواضيع وتكتب التقارير عن عدد من المواضيع المهمة من وجهة نظرها. وعليه عندما نطلع على تقارير تتعلق بالجزائر أو بلد آخر فإنها تعكس معرفة من جانب هذه الوكالات المتخصّصة فقط، هذا كل ما في الأمر وليس هناك تعبير بموجبها عن السياسة الكاملة الأمريكية نحو هذا البلد، ولذلك لما نرى في هذه التقارير أنها لا تعني تغيّرا في الموقف الأمريكي تجاه الجزائر ولكن هي مجرد أفكار لوكالات متخصّصة في مواضيع معيّنة. وعند الحديث عن السياسة الأمريكية تجاه الجزائر هناك سفارة تمثلها بشكل رسمي وهي تعكس الموقف الأمريكي من الإدارة والحكومة ككل نحو بلدكم، وبالتالي فإن التقارير مهمة لكن لا علاقة لها مع السياسة الأمريكية عموما. * هناك من انتقد موقف الجزائر من تطورات الأوضاع في ليبيا على أساس أنها لم تدعم المعارضة والتزمت بموقف محايد اعتبره الجميع أقرب ما يكون إلى دعم نظام العقيد القذافي. ما تعليقكم؟ ** قبل كل شيء، نحن في الولاياتالمتحدةالأمريكية نحترم موقف الجزائر وتأييدها للقانون الدولي، ومثلما تعلمون فإن هناك قرارين من جانب مجلس الأمن الأممي بالنسبة للوضع في ليبيا، ومن الواضح أن الجزائر تؤيد هذه القرارات ونحن نحترم هذا الموقف وإذا كانت هناك قرارات أخرى من جانب الاتحاد الإفريقي فأنا أعتقد بأن الجزائر ستؤيد هذه القرارات على أساس موقفها هو تأييد أي قرار صادر من المجتمع الدولي. * ألا تتوقعون أن تكون العلاقات بين الجزائر والنظام الجديد في ليبيا متوترة على ضوء التوتر الذي لازم علاقتها مع المجلس الانتقالي، وهل من مصلحة الجانبين الاستمرار في ذلك؟ ** نحن كحكومة أمريكية اعترفنا رسميا بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره ممثلا وحكومة شرعية للشعب الليبي، والجزائر لم تصل إلى حد الاعتراف بهذا المجلس ولكننا أيضا نحترم ذلك من جانب الحكومة الجزائرية، وفي نفس الوقت نحن نعرف أنه يمكن أن تكون هناك اتصالات مع المجلس الانتقالي وستستمر الاتصالات حتى يكون هناك قرار مختلف في المستقبل من طرف الجزائر بالنسبة لعلاقاتها مع الحكومة الجديدة في ليبيا. * من المؤكد أنكم تدركون حجم التحديات التي تنتظر الغرب، وواشنطن تحديدا، في ليبيا خاصة ما تعلّق باحتمال زيادة نشاط العناصر الإرهابية نتيجة تنامي حركة السلاح، وهي أوضاع تبدو أخطر ما كانت عليه في عهد العقيد القذافي نفسه؟ ** بالتأكيد هناك تحديات يمكن أن نجتازها بالتعاون مع الحكومة الجزائرية التي ننظر إليها باعتبارها أهم بلد في منطقة الساحل خاصة، وبذلك نحن سنغتنم علاقاتنا مع بلدكم حول هذه المواضيع خلال مؤتمر الإرهاب الشهر المقبل لأنه لأول مرة سنجلس مع بعض على طاولة واحدة ونفكر عن الظروف الجديدة التي طرأت وحول كيفية التعامل معها ومع مرحلة ما بعد الظروف التي عرفتها ليبيا. نريد قبل شيء أن نسمع كلاما من جانب الجزائر وبلدان أخرى، ولكن مبدئيا موقفنا هو التأييد. * لقد سبق لكم وأن شغلتم مناصب مسؤولية دبلوماسية رفيعة في بغداد لسنوات، ألا تتخوّفون أن يتكرّر السيناريو العراقي من جديد في الحالة الليبية؟ ** لا يُمكن أن أقول نتائج الثورة الليبية ولكن صراحة هناك خطر فعلي، ولكن أتمنى أن يحصل العكس خاصة وأنه يجب استغلال خبرة المجتمع الدولي في ما حصل في العراق وبالتعاون بين الجميع من الممكن أن نتفادى هذه الإمكانية، خاصة بالنسبة لحركة الأسلحة الليبية وحركتها داخل المنطقة ككل وهذا فعلا خطر كبير وحتى أسوء شيء بالنسبة لأنه يعني المصالح المشتركة بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالجزائر، ولكن لو كانت هناك حركة من هذه الأسلحة ستحدث فعلا كارثة حقيقية. * نفهم من خلال هذا الكلام بأنكم متخوّفون من انفلات الأمور وخرجها عن سيطرتكم باعتباركم وقفتم إلى جانب حلف »الناتو« في العملية العسكرية ضد نظام القذافي؟ ** نحن لسنا متخوفين وإنما مهتمون بإمكانية استغلال »القاعدة« الفرصة والتحرّك داخل بلدان المنطقة وهذا أمر مهم لأن هناك تهديدا مباشرا للمصالح والأمن إذا نجحت »القاعدة« في ذلك. ولكن حتى نتعامل بهذه الإمكانية نريد العمل تحت راية بلدان المنطقة وخاصة الجزائر التي هي أكبر بلد في المنطقة وإفريقيا، وهي زعيم طبيعي في المنطقة ونحن نفضل أن نكون وراء هذه الزعامة للجزائر. * التقرير الأخير لكتابة الدولة حول الإرهاب أشار بوضوح إلى أن الجزائر نجحت في تجفيف مصادر تمويل تنظيم »القاعدة« في المنطقة. هل هذا يكفي للقضاء التدريجي على باقي الجماعات الإرهابية؟ ** من خلال مكافحة الإرهاب في هذه المنطقة نريد أن نوقف التمويل لعناصر »القاعدة« ونحن نعرف أن هذه الموارد تأتي من كل أنحاء العالم، من أوروبا أو أمريكا وبلدان الخليج وأفغانستان، فهناك حركة مالية لدعم هذه الجماعات، وفي منطقة الساحل أعتقد أننا لم نركز كثيرا على هذا الموضوع، عندما في أفغانستان كانت هناك جهود كبيرة وتركيز على هذا الجانب، والواقع أنني لست خبيرا في هذا الشأن ولكن لدي فكرة حول التلازم بين الجريمة و»القاعدة« باعتبارها منظمة إرهابية، وعليه فإننا نحتاج إلى مزيد من التشاور خلال مؤتمر الجزائر الشهر المقبل. * هل نتوقع أن تحصل الجزائر على مزيد من الدعم من طرف الولاياتالمتحدة في سبيل إصدار قرار من مجلس الأمن بخصوص تجريم دفع الفديات للجماعات الإرهابية؟ ** صراحة أنا لم أدرس هذا الموضوع بالتفصيل وبشكل دقيق، ولكن على حدّ علمي فإننا سياسيا نشارك وندعم الموقف الجزائري لأنه فكر سيء جدا أن أي دولة تدفع للمنظمات الإرهابية أموالا من أجل إطلاق سراح رعاياها، وهذه الطريقة تشجع المنظمات الإرهابية، وبالتالي نحن نرفض تماما هذا العمل مثل الجزائريين. * ملف الصحراء الغربية لا يزال محلّ اختلاف بين واشنطن مع الجزائر لان البيت الأبيض يميل أكثر إلى المقاربات المغربية. ألا تعتقدون بأن هذا الموقف يؤثر سلبيا في مساعي إيجاد حلّ يقضي بتقرير المصير؟ ** ليست لديّ فكرة كبيرة، فهناك عملية سياسية تجري حاليا من جانب منظمة الأممالمتحدة حول هذا الموضوع، وأنا أعرف أن هناك ممثلا خاص للأمين العام الأممي، »كريستوفر روس«، وهو الذي يتولى الأمر، وبالتالي فهو من الممكن أن يتعامل مع ذلك ونحن نؤيد جهوده بشكل كامل لإيجاد الحلّ.