يكشف السفير الأمريكي بالجزائر، هنري أشنر، عن جانب من حياته الشخصية، وعن سر إطلاق اسم عربي على أحد أبنائه، ويتحدث في حوار خصّ به ''النهار''، أول أمس الأحد، بمكتبه، عن العلاقات الجزائريةالأمريكية، خاصة الأمنية منها التي بدأت بين البلدين باتصال الرئيس بوتفليقة بنظيره جورج بوش غداة التفجيرات التي استهدفت مدينتي نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001، كما يكشف السفير عن التخوف الكبير من إمكانية وصول الصواريخ المضادة للطائرات إلى عناصر تنظيم القاعدة التي قد تستعملها حسبه ضد الطائرات المدنية، رغم عدم وجود تقارير رسمية عن امتلاكها لها، ويؤكد في تحليله للوضع بالمنطقة العربية، أنّ الجزائر ليست مثل باقي الدول التي شهدت تغييرات مضطرة، لأن الجزائر حسبه تتفاعل مع الوضع وتحدث تغييرات في كل مرة. لنبدأ سعادة السفير إن سمحتم، بكلام قصير عن السيد أنشر الرجل، وليس السفير، تحدثتم في سياق الكلمة التي ألقيتموها أمام لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ عقب تعيينكم سفيرا للولايات المتحدةالأمريكيةبالجزائر عن عائلتكم وذكرتم في هذا الشأن، منى وطارق، ما سر هذه الأسماء العربية؟ طارق هو اسم ابني، والابن الكبير اسمه هنري علي، لأن زوجتي ''منى'' هي أمريكية من جنسية لبنانية، يعني أن عائلتي اندماج بين الثقافتين الأمريكية والعربية. قلتم - دائما في كلمتكم أمام مجلس الشيوخ- أنكم ابتعدتم عن العائلة طيلة سنتين كاملتين، بسبب تبوئكم منصب السفير بدول تعاني اضطرابات أمنية، على غرار العراق وأفغانستان، هل هو الشيء نفسه بالنسبة لتعيينكم بالجزائر؟ لا حاليا عائلتي معي وهي تقضي معي العطلة، ولكن بعد العطلة سيعودون إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للاستقرار هناك. كشفتم - في الكلمة ذاتها-، عن حدث هام مس أمريكا، وكانت الجزائر أول من عبر عن تضامنها، من خلال الرئيس بوتفليقة، ما حقيقة هذا الطرح وهل بإمكانكم اطلاعنا على تفاصيل أكثر؟ في الحقيقة نعم، لقد كان الرئيس بوتفليقة أول من هاتف الرئيس الأمريكي جورج بوش، في أحداث 11من شهر سبتمبر 2001، وسمعت أنّه كان هناك تعبير من الرئيس بوتفليقة عن رغبة السلطات الجزائرية والحكومة الأمريكية على محاربة الظاهرة، وقال الرئيس بوتفليقة لنظيره بوش ''نحن نكافح نفس التهديد الإرهابي العالمي خاصة من جانب القاعدة''، في الحقيقة التعاون بين البلدين تطور منذ هذه الحادثة، رغم أنّه كانت هناك علاقات طيبة بين البلدين، وحاليا وصلت إلى مستوى عالي في هذا التعاون، مثلا نحن سنشارك في مؤتمر من بين البلدان المجاورة هنا في الجزائر الشهر القادم سبتمبر-، حيث سيحضر وفد كبير من الخبراء، لتقديم تجربتهم في إطار علاقة التعاون بين البلدين. في الجانب الأمني دائما، هناك حديث عن تهريب أسلحة ثقيلة من ليبيا إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ألا تعتقدون بصفتكم متتبعا لما يحدث بالمنطقة وخبيرا في هذه الأمور بالنظر إلى تجربتكم، أن هذه الأسلحة ستقوي شوكة التنظيم الإرهابي الذي أصبح يهدد العالم بأسره؟ ما يشغل بالنا حاليا؛ هو ما قيل عن امتلاك التنظيم لصواريخ مضادة للطائرات، وإمكانية استغلالها من قبل التنظيم الإرهابي ضد الطائرات المدنية وخطوط الطيران المدني، هناك تهديد من قبل القاعدة، وهذا من بين المواضيع التي نرغب في العمل مع الجزائر عليها، لأن الصواريخ موضوع مهم كثيرا، فهذا النوع من الأسلحة يعني التهديد المباشر للطائرات المدنية. يعني أنّكم تعتقدون بوجود هذه الأسلحة حقا بين يدي التنظيم الإرهابي، وتتخوفون على خطوط الطيران المدنية؟ أنا شخصيا لم أطلع على أي تقرير عن وجود هذا النوع من الصواريخ لدى الجماعات الإرهابية، ولكن الوضع الأمني في ليبيا يمكن أن يؤثر ويجعل ذلك حقيقة، وسنعمل على التّعاون مع الجزائر والدول الأخرى بالمنطقة لمحاربة ما يمكن أن يحدث بالتركيز على هذا المشكل بالتحديد، فضلا عن عناصر أخرى في التعاون المشترك. هل هناك إجراءات محددة في هذا الخصوص مع الجزائر نحن نعتقد أن قضية مكافحة الإرهاب تعتمد على التعاون بين البلدان في المنطقة ككل، معنى ذلك أن التعاون ينبغي أن يمس الجانب الاقتصادي، التنمية، الحقل التعليمي كذلك، يعني كل أنواع التعاون، ويجب أن يشملها كلها وليس فقط التعاون العسكري، بل كل المجالات الأخرى. قبل أن تعينوا سفيرا بالجزائر، سبق وأن عملتم بها في ثوب المستشار، ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ حبذا لو كان هناك متسع من الوقت حتّى أعود إلى كل المتغيرات، ولكّن سأسرد الكثير منها، أهم شيء أعتقد هو وجود تغير في الجو الاجتماعي والسياسي كذلك، لما كنت سابقا، نحن كسفارة ركزنا فقط على حقيقة وجودنا هنا في الجزائر، وكان أهم شيء هو أن نثبت أننا موجودين، لم يكن لدينا أية علاقات دبلوماسية عادية مع الحكومة أو مع المجتمع، كل اتصالاتنا مع الحكومة كانت تخص الوضع الأمني، وعلاقاتنا في مكافحة الإرهاب، وحتى في السفارة مناقشة المواضيع لم تكن هناك مواضيع اجتماعية أو زيارات بل بالعكس، وكان الشعب الجزائري يركز بشكل كبير على حياته، ولا يبحث سوى عن الأمن، ولكن حاليا نحن نرى وجود تطور في العلاقات مع كل الوزارات كسفارة، مع تشكيل علاقات واسعة، وهناك إمكانات لتوسيع هذه العلاقات، كما لاحظت أيضا وجود عدة نشاطات في الجزائر في كل يوم، ثقافية وتفتح، وهي نشاطات لم تكن سابقا، في الحقيقة لا مجال للمقارنة بين الوضع الأمني حاليا وسابقا. كيف تلقيتم نبأ تعيينكم سفيرا للولايات المتحدةالأمريكية في الجزائر؟ في أحد الأيام كنت في وظيفتي في أفغانستان، وكانت هناك رسالة هاتفية يسألونني من خلالها إن كانت لدي رغبة في أن أكون سفيرا بالجزائر، وأنه يمكنني تقديم وثائقي، وما كان علي سوى إيداع وثائقي، وبعد عدة شهور صدفة كان هناك قرار من جانب كاتبة الدولة للشؤون الخارجية السيدة كلينتون، والرئيس أوباما، لتعييني في هذا المنصب، وسعدت كثيرا لذلك، كانت هناك عدة مقترحات لشغل منصب سفير في المنطقة والجزائر كانت من بينها، لكن أنا فضلت الجزائر، لأنني أرغب في زيارة كل ولايات الجزائر ومعرفة التغييرات منذ عدة سنوات، أنا أعرف الجزائر وكنت أرغب في معرفتها أكثر.. الجزائر جميلة تذكرني بكاليفورنيا، ولأنني من كاليفورنيا أرى أن كاليفورنيا أحسن مكان في العام والجزائر أيضا جميلة وتشبه إلى حد كبير كاليفورنيا. في لقائكم بالرئيس لدى تسليمكم إياه أوراق الاعتماد، الأكيد أنكم تحدثتم عن عدة أمور، هل يمكنكم اطلاعنا على جانب منها؟ صراحة هي نفس المواضيع التي ناقشناها حاليا، إمكانية تحسين وتوسيع التعاون بين البلدين، وأنا طلبت منه رأيه عن الوضع في المنطقة ككل، أنا شخصيا أعرف أننا كدولة نهتم كثيرا بخبرة الرئيس بوتفليقة في كل هذه المواضيع في المنطقة، ونرى فائدة كبيرة إذا عرفنا وجهة نظره ونصيحته عن كل هذه المواضيع. بتعيينكم على رأس السفارة، ألا تفكّرون في إطار تطوير العلاقات في إجراءات خاصّة أو تسهيلات لمنح تأشيرات السفر للجزائريين نحو أمريكا؟ في الحقيقة، هناك إجراءات أمريكية وإجراءات جزائرية لتحسين الزيارات بين البلدين، ولكن تبقى بعض الأمور البيروقراطية دائما. قلتم أنّ هدفكم هو حماية الرعايا الأمريكيين والمصالح الأمريكية في الجزائر، ما هي الإستراتيجية التي حددتموها لتنفيذ أهدافكم المعلن عنها أمام مجلس الشيوخ؟ أولا: تحسين التعاون في مكافحة الإرهاب والحقل الأمني، كما أننا نريد توسيع في العلاقات الاقتصادية غير التجارة في منتجات النفط، نحن نرى أنّ العلاقات عادية بين البلدين، ونحن أيضا في خدمة الشعب الجزائري، ولا نتعامل فقط مع الحكومة الجزائرية، ونطمح أيضا لمضاعفة الزيارات بين البلدين، كما أنّنا نشتغل في القسم الثقافي، أنا شخصيا لا أرى أي فرق مع الجزائر كشعب وحكومة، نحن نرى أن تتطور العلاقة الاقتصادية، وأن تبنى علاقاتنا الأمنية كذلك، فضلا عن تطوير التعاون العسكري. لنتحدث عن العلاقات الجزائريةالأمريكية الإقتصادية، هي علاقات واهنة ومحدودة، هل هناك مشاريع لتطويرها خاصّة إذا تحدثنا عن تعاون قوي في الجانب الأمني؟ هناك علاقات اقتصادية بين البلدين، ولكنها تخص فقط جانب النفط، وسنستمر في ذلك في الوقت الحالي، ولكن أنا شخصيا أرى أن هناك تحسنا في العلاقة الاقتصادية، وإذا كنا نحن نريد كسفارة الاستثمار في الجزائر، فإذا كان النظام الاقتصادي في الجزائر مفتوح مثل دول المنطقة ودول الغرب، يكون فيه مجال مفتوح للمنافسة في كل الجوانب، وإذا وجد المستثمرون الأمريكيون أن الظروف والشروط أفضل في بلد آخر، فإنهم يتركون الجزائر، شيء آخر، أنا أعتقد أن الوضع الأمني في الجزائر جيد ومعقول للاستثمار، ولكن المستثمرين الأمريكيين، ليست لديهم الفكرة إلا عن وجود مشاكل أمنية في الجزائر، لذلك يفضلون أسواقا أخرى، السبب هو نفسه الذي رأيته في دول أخرى، مثلا العراق كان هناك تغير ولكن النّاس في أمريكا لا يعلمون ذلك، هذا الأمر يتعلق بالترويج للصورة الخارجية للبلد في دول أخرى. ماذا عن الخطر الذي يهدد الودائع الجزائرية في أمريكا، هل يمكن أن تؤثر الأزمة على السندات المالية للجزائر بالبنوك الأمريكية التي تتجاوز 43 مليار دولار؟ بكل الصراحة أنا لست خبيرا اقتصاديا، لكن أقول لك أنا شخصيا مواردي المالية الشخصية موجودة في السوق الأمريكية، وإذا كان هناك خطر على هذه الموارد اسحبها كلها، لكن لا يوجد خطر، ثم بعد كل هذه الأزمة في الأسواق تقول الأرقام أن هناك ارتفاع في الاستثمارات الأجنبية في السوق الأمريكية، خاصة ما تعلق بالسندات المالية، لماذا.. لأنّه وعندما تكون هناك أزمة مالية عالمية أغلبية الناس والمستثمرين يعتقدون أنّ هناك استقرار في أمريكا في النّظام الاجتماعي والسياسي ويعتبرون الأزمة مشكلا مؤقتا.. يضحك.. أنا محلل هاوي ولست محترف. ما رأيكم كدبلوماسي في الإصلاحات السياسية التي تعمل الجزائر على تجسيدها مؤخرا؟ نحن نرى بأنّها ستكون ناجحة ونعتقد أنّ هناك إمكانية كبيرة لهذا النّجاح، وإذا كان هناك أي شيء ببرنامجنا أو عملنا في السّفارة يفيد هذه العملية نحن جاهزون، لكن نحن كجانب ليس لنا أي دور، لأن العملية سياسية اجتماعية لأصدقائنا الجزائريين كشعب وكحكومة. هل ترون أن الجزائر قد تتأثر بالربيع العربي الذي مس تونس، مصر وليبيا ويسري حاليا في سوريا واليمن؟ أنا أقول لك أنّ الظروف والتغيير في كل بلد يختلف عن أي بلد آخر، أنا شخصيا أعتقد أنه لا توجد أية مقارنة مفيدة بين الدول، بمعنى أن الوضع في مصر يختلف عن الوضع في الجزائر بالنسبة للتاريخ، للظروف الاقتصادية وعدد السكان، لذلك طبعا أنا أعتقد أن كل واحد يريد الاستقرار والتغيير السلمي داخل النظام، نحن نتاج عملية مستمرة في التغير حسب الظروف الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، المشكلة في الدول الأخرى هو أنه لم يكن هناك أية إمكانية للتغيير أو عملية للتغير حسب طموحات الشعب، هنا في الجزائر هناك عملية ولجنة إصلاحات خير دليل، ونحن نرى حسب التقارير أنّ انتخابات ستجرى في السنة القادمة، وهذا جزء من التغيير، ونحن طبعا مراقبون لهذه العملية. كثر الحديث عن وجود مرتزقة جزائريين بليبيا وأحد دبلوماسي الخارجية الأمريكية اتهم الجزائر، هل هناك تقارير في هذا الشأن؟ نحن نعتقد أنّ هذه الاتهامات ليس لها أساس، ولا وجود لأية تقارير، ما يمكن قوله حاليا، هو أنّ الجزائر قدمت التزامها الكامل، وهي تؤيد قرارات مجلس الأمن الدولي حيال القضية الليبية، ونحن نقبل هذا الموقف تماما. لنتحدث عن رمضان في الجزائر، فتعيينك صادف هذا الشهر الفضيل، كيف تقضي أيامك، وما الفرق بين الجزائر وباقي الدول المسلمة التي عملت بها خلال رمضان؟ رمضان في الجزائر مثير جدا، هناك حفلات كثيرة رأيت كل العالم في الشوارع، في الشاطئ وفي كل مكان الأمر جد مثير، في أفغانستان والعراق كان الوضع مختلف تماما، لم تكن هناك أية نشاطات عادية في رمضان، أول مرة منذ 15 سنة أرى حياة عادية خلال هذا الشهر، أمر مثير، وأقول لك شيئا في الجزائر الناس يشتغلون خلال هذا الشهر، وهذا أمر غير عادي، الجميع يشتغل أما في دول أخرى كل شيء يتوقف. هذا هو السفير إنشر لمن لا يعرفه هنري إنشر، من ولاية كاليفورنيا، وهو عضو محترف في الدرجات العليا من السلك الخارجي، فئة مستشار، حاصل على شهادة ليسانس في العلوم السياسية من جامعة لويولا ماريماونت في لوس أنجلس، بدأ مشواره في السلك الدبلوماسي منذ 27 عاما شغل خلاله عدة مناصب على غرار رئيس القسم السياسي والاقتصادي، وكذلك مسؤولا عن البرامج التجارية و برامج الدبلوماسية العامة في كل من مكسيكو، مسقط، تونس، دمشق، جدة، الجزائر وتل أبيب، رشحه الرئيس أوباما كسفير للولايات المتحدةالأمريكية لدى الجزائر في مارس 2011، وتم اعتماده من قبل مجلس الشيوخ في شهر ماي، ليحل إنشر بالجزائر العاصمة في منتصف شهر جويلية، عمل إنشر في مكتب شؤون أفغانستان كمستشار رئيسي، من 2010 إلى 2011، كما شغل منصب الممثل المدني الأعلى في جنوبأفغانستان، بمطار قندهار، وقبل عمله في أفغانستان، شغل السيد إنشر منصب مدير مكتب شؤون أفغانستان من 2008 إلى 2010 ورئيس قسم الدراسات حول الشرق الأدنى وشمال إفريقيا بالمعهد الدبلوماسي لوزارة الخارجية الأمريكية من 2006 إلى 2008. خلال تلك الفترة، كان إنشر منسق تكوين فريق إعادة إعمار المحافظات في العراق وأفغانستان، وبعد عودته من العراق في جوان 2005، تولى إنشر مناصب متزايدة المسؤولية في مكتب العراق التابع لمكتب شؤون الشرق الأدنى، بما في ذلك نائب مساعد وزيرة الخارجية بالنيابة، من جويلية 2004 إلى غاية جوان 2005، كما عمل إنشر كنائب المستشار السياسي في بغداد، حيث كان مسؤولا عن العمليات اليومية لأكبر قسم سياسي في السفارات الأمريكية، الأمر الذي كان يتطلب تفاعلا دائما مع العسكريين حول الاستخبارات والعمليات. وخلال فترة سلطة الائتلاف المؤقتة، شغل إنشر منصب منسق الحكومة في محافظة القادسية من نوفمبر 2003 إلى غاية جوان 2004. ما يميز السفير إنشر هو حديثه باللغة العربية الممزوجة من حين لآخر بمصطلحات إنجليزية، عربية شرقية قد يعود الفضل فيها إلى زوجته اللبنانية الأصل، كما يتحدث العبرية بطلاقة، كونه شغل منصب دبلوماسي بتل أبيب.