لم يعد الفساد شأنا داخليا، بل أضحى ظاهرة عبر وطنية تمس كل المجتمعات وتهدد الاقتصادات جميعها وتشكل خطرا على استقرار المجتمعات وأمنها وتعمل على تقويض مؤسسات الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون. الدوحة: عائشة أحمد. م وانطلاقا من هذه القناعة أدرك المجتمع الدولي أن محاربة هذه الظاهرة يتطلب جهدا وتعاونا دوليا تشارك فيه كل من مؤسسات المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية والأفراد والجماعات خارج نطاق القطاع العام. قطر واحدة من دول العالم التي أدركت خطورة هذه الآفة وراحت في السنوات الأخيرة تعمل على محاربتها بكل جد وحزم وهي الدولة الغنية بما تملكه من ثروات بترولية مما يسيل له لعاب المفسدين والفاسدين داخليا وخارجيا. وقد احتلت قطر المرتبة الأولى عربيا والمرتبة 19 دوليا في مكافحة الفساد وتعزيز مبادئ الشفافية الدولية ومناهضة الرشاوى والفساد السلطوي، وذلك حسب نتائج التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية للعام 2010 الصادر في برلين ومع ذلك النتيجة مازالت دون مستوى طموح قادة البلد الذين يتطلعون إلى التواجد على قائمة العشر الأوائل دوليا في مكافحة الفساد. وجاء إطلاق مركز حكم القانون ومكافحة الفساد في الحادي عشر من الشهر الجاري في العاصمة القطرية الدوحة تأكيدا من القائمين على هذا المشروع بأن المعركة قد بدأت والطريق مازال طويلا وعلى من يريد أن يشارك فيها أن يلتحق بالركب . وقال النائب العام القطري الدكتور على بن فطيس المري الذي يقود معركة »لا للفساد في بلاده« في حفل تدشين مركز حكم القانون ومكافحة الفساد بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن إطلاق هذا المركز جاء بعد سنوات من العمل المضني والشاق مع كل الشركاء في العالم الذين يؤمنون بأهمية محاربة هذه الظاهرة، مضيفا بالقول أنه مازال أمامنا عمل كبير القيام به لأن مكافحة الفساد ليست عملية »أكشن« تتم بين الحين والآخر في القبض على المفسدين وإيداعهم السجن بل هي ثقافة مجتمع تصاحب الأطفال في تعليمهم وتربيتهم من على مقاعد الدراسة. من جانبه قال رضوان بن خضرة ممثل جامعة الدول العربية الشريك الداعم لهذا المشروع حيث أكد في تصريحه للصحفيين عند افتتاح المركز بأن العالم العربي في حاجة إلى ثورة على ثقافة الفساد ونشر ثقافة النزاهة، وأن الأمور تجاوزت فتح ملفات ومتابعة المفسدين وأن الربيع العربي أسقط الحواجز جميعها التي كانت تحول دون الخوض في مثل هذا الموضوع وأن التعامل لابد أن يتخذ لغة مباشرة بضرورة تعزيز الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد ولم يعد الموضوع له علاقة بالسيادة الداخلية. أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وفي كلمته عند تدشين المركز أكد على أن الفساد ظاهرة عالمية تعيق التنمية وتسرق مستقبل الأجيال المقبلة وعلى الجميع العمل بسرعة من أجل التصدي لها وأن افتتاح المركز جاء في لحظات تاريخية ارتفعت فيها أصوات شعوب المنطقة تقول لا للفساد. وعن آلية عمل المركز والصعوبات التي سوف تعترض عمله أكد النائب العم القطري على أن المركز سيعمل على تقديم النصح والمشورة القانونية بعيدا عن ما قد تتخوف منه بعض الدول العربية من تدخل في شؤونها الداخلية وسيتوفر المركز على مركز قياس لمؤشرات الفساد وذلك بالتعاون مع منظمات دولية محترمة لا تبتغي التشهير بقدر ما تعمل وفق المقاييس المتعارف عليها عالميا .منوها إلى أن اتفاقية الأممالمتحدة لمحاربة الفساد فرضت إلزام على دول العالم بالإنفتاح على التعاون من أجل محاربة الفساد ولم تعد أمامها خيار الالتزام من عدمه. كما سيقوم المركز بإصدار تقارير دورية حول الفساد في المنطقة وسيقول ما عليه قوله في العلن إذا تطلب الأمر ذلك، لأنه لم يعد من المقبول أن ندفن رأسنا في الرمل ونتعامل مع الأمور وكأنها لا تعنينا. كما سيعمل المركز إلى بناء المعرفة المتخصصة ورفع الكفاءات الفردية والمؤسسية التي من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز حكم القانون ومكافحة الفساد انسجاما مع المعايير الدولية والاحتياجات الوطنية. وسيقوم المركز بتوفير أطر دائمة لتبادل الخبرات والتجارب من خلال إقامة الشراكات الإستراتيجية مع الهيئات المعنية في الأممالمتحدة وأهم مراكز البحث والتفكير على مستوى العالم. والجدير بالذكر فإن الدوحة كانت قد استبقت خطوة افتتاح المركز باستضافة أعمال المنتدى العالمي السادس لمكافحة الفساد وحماية النزاهة في العام 2009 والمؤتمر الثالث للدول الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في العام نفسه وترأست الدورة الثالثة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وعملت بجهد على ولادة آلية الدوحة لمراجعة وتنفيذ اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وجاء إطلاق مركز مكافحة الفساد كتتويج لمرحلة من الجهد وبداية مرحلة ثانية تتطلع فيها إلى أن يكون هذا المركز مركز إشعاع يخدم المنطقة في مجال مكافحة الفساد. المركز الذي أسس بالتعاون مع منظمة الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية واتخذ من العاصمة القطرية الدوحة مقرا له رفع شعار »العدالة واجبنا... والنزاهة مسؤولية الجميع« يعتبر الأول من نوعه في المنطقة.