في مرحلة الصبا الأول، التهمت العديد من الكتب. لم يفلت مني السندباد في رحلاته السبع، بل إنني قمت برحلة ثامنة على متن الحيال المجنح صوب المغرب العربي، هذا المكان الذي لم تطأه قدماه أو لأن واضع أو واضعي ألف ليلة وليلة تعمدوا إغفاله لأسباب سياسية تعود أصلا إلى التنافس بين المشرق والمغرب, وتلهفت على قراءة سيرة عنترة العبسي بأجزائها العديدة في طبعة مدرسية كانت تتوافر عليها مدرستنا، وكنت أتبادل الرأي حول هذه السيرة مع زملائي في الفصل الدراسي، ثم قرأت الشعر العربي وحفظت الكثير من روائعه بدءا من العهد الجاهلي إلى العصر الحديث وأعلامه, ولما كنت ميالا إلى معرفة التاريخ العربي الإسلامي، انكببت على قراءة جميع مؤلفات الروائي اللبناني جورجي زيدان، ذلك الذي مات عن سن الرابعة والخمسين، لكنه ترك أثرا عميقا في حقل الأدب العربي الحديث. وبالرغم من كل ما قيل عنه، ومن الانتقادات التي وجهت له من قبل بعض المتأدبين والمؤرخين على حد سواء، فإنني ما زلت أعود بين الفينة والأخرى إلى رواياته التي نهج فيها نهج الكاتب الأسكتلندي والتر سكوت، ذلك الذي عالج تاريخ انجلترا بطريقة روائية ما زالت تجتذب إليها القراء من مختلف الأعمار. وكان من الطبيعي أيضا أن أعرج على مؤلفات جبران خليل جبران وزميله ميخائيل نعيمة وشعراء المهجر في أمريكا الشمالية وفي أمريكا الجنوبية، وعلى عظماء الأدب العربي الحديث من أمثال طه حسين وعباس العقاد وإبراهيم المازني وعلي محمود طه وغيرهم. لكنني ألاحظ اليوم أن أبناء هذا الجيل قلما يطالعون مثل هذه الكتب، لا لأنها لا تتوافر ين أيديهم، بل لأنهم مشغولون بأمور حياتية أخرى تبعدهم عن ساحة الأدب العربي الأصيل. وأحسب أن إذكاء روح القراء في نفوس أبناء الجيل الطالع ينبغي أن يتأجج ذلك لأن القراءة على صفحات الانترنت ومتابعة البرامج التلفزيونية يستحيل أن تصقل مواهبهم وتنمي فيهم حب التطلع إلى ما يزخر به التراث العربي العربي. وقد مضى علي وقت طويل دون أن أسمع تلميذا أو طالبا يورد سيرة جورجي زيدان ورواياته وكأنه ما عاد جزءا من وجدان الإنسان العربي الحدث. كما أنني لم أسمع أحدا يردد شعر أبي ماضي ونثريات جبران ووجدانيات ميخائيل نعيمة، ولا يأتي بذكر على سيرة الشيخ البشير الإبراهيمي أو مفدي زكريا أو محمد العيد آل خليفة وغيرهم من صناع الثقافة العربية الإسلامية في الجزائر وفي العالم العربي. ولا شك في أن المكتبات المدرسية مليئة بمثل هذه الكتب التي ذكرتها، غير أن الذي ينقص إنما هو المنهج الذي يحبذ لأبناء الجيل الطالع التعرف على ما ورد قي بطوها، وعلى الذين سهروا الليالي في أوقات استعمارية مظلمة لكي يشعلوا الفوانيس والقناديل أمامنا جميعا. فهل من مذكر؟.