بنزول خبر انتقال المجاهد الوطني المخلص عبد الحميد مهري إلى الرفيق الأعلى، انتقلت »صوت الأحرار« إلى وادي الزناتي بقالمة للقاء رفيق درب المرحوم، المناضل والمجاهد محمد الهادي طيروش، وكان أول ما قاله لنا: »رحمة الله عليك يا غالي.. كان ذكيا متخلقا، عفيفا ومتواضعا طوال حياته، عرفته منذ الصغر بمدينة وادي الزناتي التي نشأ وترعرع بها رفقة إخوته الشيخ المولود، وسي عبد الرحمن، والأخت الوحيدة حليمة«. وأضاف محدثنا وهو يحبس دموع الحزن على رفيقه »التحقنا بمدرسة التهذيب بوادي الزناتي بين سنتي 37 1939 وهنا بدأت ملامح الذكاء والعبقرية تظهر بوضوح علي الطفل الهادئ، عبد الحميد مهري، الذي تفوق علي جميع التلاميذ ونال إعجاب المعلم الأول بالمدرسة، الشيخ محمد العربي الصائغي، الذي قدم من عين البيضاء، حيث تعلمنا علي يده مبادئ النحو والصرف والحساب، وبالموازاة مع الدراسة كان الراحل عبد الحميد مهري، مهتما بقضايا التحرر ونضالات الحركة الوطنية، فكان عضوا بارزا بحزب الشعب، يتابع تطورات الحرب العالمية الثانية، ومعاناة الشعب الجزائري في ظل الاستعمار الفرنسي، فكان السباق إلي الإعداد لانتفاضة 08 ماي 45، حيث اتخذنا معا إحدى الأماكن السرية بمدينة وادي الزناتي منطلقا للانتفاضة الخالدة.. كان سي عبد الحميد مهري يشرف علي كتابات اللافتات التي سترفع في المسيرة الخالدة، ومن بين ماكتب »طبقوا وثيقة الأطلنتيك«، و»مطلبنا الحرية والاستقلال«، وكنت أنا )الهادي طيروش(، من رفع اللافتة الأولي وسي عبد الحميد مهري الذي كان صاحب قامة طويلة، من رفع العلم الوطني.. توزعنا وسط المسيرة، فانطلقنا نهتف بحياة الجزائر، ثم اختلط الحابل بالنابل، واعتقل من اعتقل، واستشهد البعض منا، وكنت أول متظاهر يعتقل بمدينة وادي الزناتي في ذلك اليوم.. بينما تمكن سي عبد الحميد مهري من الإفلات وسط الحشود، ولم يتمكن الفرنسيون منه«. ويواصل الحاج الهادي طيروش يقول »وبعد مجازر 08 ماي 45، انتقل عبد الحميد مهري إلي العاصمة ثم إلي جامع الزيتونة بتونس سنة 1947، وبعد مرور سنة لحقته مجموعة من الطلبة، كنت أنا من بينهم إلى جانب كل من: محمد بومدين، عثمان عيساوي، ورحاب محمد الصالح، وعمار شطيبي الذي استشهد بمدينة عنابة سنة 61. ويضيف »كنا نقيم بمسكن يقع في نهج سيدي محرز بتونس، وكنا مقسمين إلى مجموعتين كل واحدة تنام في اتجاه مغاير، وشاءت الصدف أن تكون مجموعة عبد الحميد مهري كلها من يتامى الأب والأم وكنت أنا من بينهم«. وواصل محدثنا يقول »بجامعة الزيتونة تفوق عبد الحميد مهري على الجميع بمن فيهم التونسيون والسنغاليون، وكان يمتاز بالذكاء الخارق يقضي معظم وقته في التنقل بين الدول العربية كالأردن والعراق وسوريا، وعندما يحين موعد الامتحانات يعود إلى جامعة الزيتونة ومع نهاية كل فصل دراسي يحتل المرتبة الأولى دائما وأذكى النجاح الباهر الذي حققه المرحوم في المسابقة التي أجراها جامع الزيتونة حول )المقالة أو الإنشاء( كما تسمى بالمدرسة الجزائرية.. كنا جميعا خائفين من المسابقة لكن عبد الحميد ذهب إلى الامتحان فرحا مبسوطا ونال المرتبة الأولى بكتابته أحسن مقالة، وكان عبقريا لم يحصل لا على شهادة الأهلية ولا شهادة التطويع، لكن مستواه الثقافي والعلمي والفكري ارتقى به إلى مصاف كبار الدكاترة والأساتذة الجامعيين هذا ما حيرني حقا- يقول سي محمد الهادي طيروش- الذي تلقى نبأ وفاة المرحوم بصدمة وتأثر كبيرين. وخلص مضيفنا إلى القول »لقد فقدنا رجلا عظيما من العظماء ومدرسا للأجيال وقدوة في التواضع ونكران الذات« مضيفا أن المرحوم عبد الحميد مهري، زار وادي الزناتي آخر مرة سنة 2000، واستقبله أهالي المدينة بالترحاب والاحترام بالساحة التي ألقى بها خطابه الشهير الداعم للحركة الوطنية.