لاحظ مسؤولون في الأحزاب أن بعض التشكيلات السياسية تعاني من عزوف المواطنين عن الانخراط في صفوفها ل »ضعف برامجها وغياب قواعد العمل السياسي الديمقراطي بداخلها« وكون ظاهرة العزوف تضعف الوعاء الانتخابي للتشكيلات السياسية غير القادرة على جلب متعاطفين معها لاسيما مع قرب موعد الانتخابات التشريعية. قال قاسة عيسي عضو المكتب السياسي المكلف بأمانة الإعلام والاتصال بحزب جبهة التحرير الوطني إن معظم الأحزاب لا تمتلك برنامجا وأنها تترقب فقط الانتخابات للبروز، مشيرا إلى بعضها خرج من حزبه، داعيا الأحزاب الكلاسيكية إلى »تجديد خطابها وأسلوب عملها قبل أن تصبح عاجزة على تبليغ رسالتها«. وبدوره اعتبر الناطق الرسمي للتجمع الوطني الديمقراطي ميلود شرفي ضعف الوعاء النضالي داخل بعض التشكيلات السياسية دليلا على معاناتها من »أزمة حقيقية تهدد كيانها« لكونها غير قادرة على مسايرة الأحداث والتطورات السائدة على الساحة السياسية. كما اعتبر شرفي الاقصاءات التي تحدث من حين لآخر داخل الأحزاب »بدعة وآفة غير محمودة« وهذه الظاهرة -كما قال- تتطلب العمل بسرعة على معالجتها قبل فوات الأوان بالعودة إلى »التسيير الديمقراطي المبني على الشفافة لتجنب الهزات أو الحركات التقويمية التي قد تنشأ«. وعن ظاهرة التجوال السياسي خاصة مع اقتراب كل استحقاق، أوضح شرفي أنها نابعة من » قلة الوعي السياسي« الذي يدفع بصاحبه إلى السعي فقط وراء المناصب والمصالح الآنية«، معتبرا هذه النوايا ب»المشكل العويص«. من جهته رأى الأمين العام لحركة النهضة فاتح الربيعي أن هذا الضعف يعد »هاجسا للكثير من الأحزاب التي ليس لها أي ارتباط وثيق مع الشعب ولا صلة مع انشغالاته«. وقال ربيعي »إن هذه الأحزاب لا تظهر إلا خلال المناسبات والمواعيد الانتخابية لتختفي ثانية بعد الإعلان عن النتائج وهذا السلوك هو الذي زاد إفراغ صفوف هذه المجموعات »السياسية« من منخرطيها الذين عادة ما يلجأون إلى التجوال السياسي والاستقرار ضمن كيانات سياسية أخرى«. غير أن مثل هذا »التجوال« ليس بالبريء في نظر الملاحظين إذ عادة ما يكون الحافز الأكبر هو »السعي للظفر برؤوس القوائم الانتخابية« على حساب الأفكار والبرامج التي تستجيب لانشغالات مختلف شرائح المجتمع. ومن هذا المنطلق، أبرز ربيعي أهمية حرص الأحزاب على انتقاء، منذ البداية، المناضلين الحقيقيين بدل المزيفين وجلبهم نحو صفوفها. وبشأن استفحال ظاهرة سحب الثقة والإقصاء داخل بعض الأحزاب، فأرجعها ربيعي إلى »غياب« قواعد العمل الديمقراطي وعدم التداول عن طريق الانتخاب على مواقع المسؤولية في الحزب وهذا ما يؤدي، كما أضاف، إلى استعمال الأساليب »غير الديمقراطية« للحفاظ على بقاء المسؤول أو لجوئه إلى إنشاء حزب آخر يكون هو رئيسه. أما الأمين العام لحركة الإصلاح حملاوي عكوشي فقد شرح عدم تحمس المواطنين للانخراط في الأحزاب ب»الخصومات والصراعات« التي تنشب ضمن التشكيلات السياسية، متأسفا على مثل هذه الحال، مبرزا ضرورة إعطاء الأولوية لطرح البرامج الكفيلة بخدمة المجتمع. وأضاف أن معظم العناصر يكون همها الوحيد هو كيفية »اقتناص الفرص« مع قرب كل موعد انتخابي للصعود على رأس القائمة ناهيك عن »تشبث قيادات الأحزاب بمناصبها والقضاء على كل مسعى يهدف إلى تدوير مناصب المسؤولية«. واعتبر عكوشي مثل هذه السلوكات السلبية في مسار الأحزاب من الأسباب الرئيسية التي تدفع بالمسؤولين الذين تم إقصاؤهم إلى إنشاء أحزاب جديدة مما يشجع المناضلين المؤيدين لهم على الالتحاق بهم. في حين يرى المكلف بالإعلام في حركة مجتمع السلم كمال ميدة أن افتقار بعض الأحزاب للمقرات في الولايات لاسيما الداخلية منها هو الذي ساهم بشكل كبير في »ضعف انخراط« المواطنين في الأحزاب التي تروق لهم. وأضاف المتحدث أن المواطن يتخوف أحيانا من المخاطرة بسمعته إذا ما أصبح ينتمي إلى حزب معين وكذا عدم »اقتناعه« ببرامج الأحزاب التي »تتشابه« في مجملها، إلا أنه من غير اللائق حسب السيد ميدي أن يبقى المواطن على »الهامش« دون أن يتخذ موقفا من التنوع الحزبي الذي تعج به البلاد والإسهام في الدفاع عن الأفكار التي يؤمن. وبعد أن ذكر بأن ظاهرة العزوف عن الانخراط لها »جذور تعود إلى سنوات الحزب الواحد«حيث كان الانخراط فيه يعني »مجموعة معينة فقط من المواطنين« لاحظ ميدي أنه بعد الانفتاح على التعددية الحزبية أصبح الانخراط ب»طريقة فوضوية تسيرها نزوات لا تراعي عوض الاقتناع بالبرامج«. وللقضاء على هذه الظاهرة التي تعيق بشكل كبير تطور الممارسة الديمقراطية في البلاد، دعا ميدي وسائل الإعلام للقيام بتوجيه المواطنين وتحفيزهم على الانضمام إلى الأحزاب لكون ذلك من »حقوق المواطنة«. وبدوره قال جلول جودي القيادي في حزب العمال أن » الصراعات الدائرة رحاها بين المسؤولين في الحزب الواحد السابق هي التي ساهمت في رفض المواطنين الالتحاق بصفوف الأحزاب«. واعتبر جودي مقاطعة المواطنين للأحزاب »خطرا على التشكيلات السياسية« لا سيما،كما ذكر، وأن »موعد الاستحقاق القادم على الأبواب«، وأوضح أن الصراعات واللهث وراء المناصب ساهم في »التفسخ السياسي ونقص الأفكار ومحدودية المخيلة السياسية« وهي عوامل يجب أن تتوفر كلها حتى »يتم إثراء العمل السياسي في البلاد«.