قرار حركة مجتمع السلم سحب وزرائها من حكومة أحمد أويحيى، وعدم المشاركة في أي تشكيلة وزارية يعلن عنها مستقبلا، مع الاحتفاظ بالمشاركة في البرلمان الجديد، يعني ببساطة بأن حركة الراحل محفوظ نحناح قد عادت إلى رشدها وانسجمت مع الخطاب الذي تتبناه منذ تأسيسها، فمن غير المعقول أن تظل هذه الحركة تضحك على ذقون الجزائريين، تدّعي المعارضة، في حين هي مشاركة في التحالف، بل ظلت في الحكومة حتى بعدما أعلنت الانسحاب من التحالف الرئاسي بدعوى أنه لم يحترم الالتزامات الخاصة بتطبيق إصلاحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. مكان »حمس« سيتحول إلى المعارضة، وسواء أبقت على تحالفها مع حركتي النهضة والإصلاح الوطنيين ضمن التكتل الإسلامي »الجزائر الخضراء« أو قررت المغامرة منفردة في المعارضة، فإن المستقبل هو وحده الكفيل بالحكم على قدرة حركة مجتمع السلم العيش بعيدا عن حضن السلطة، ويذكر الجميع بأن قرار المشاركة الذي بني على أساس منهج أصيل في الحركة يمتد إلى الأيام الأولى لتأسيسها، أي إلى عهد أبيها الروحي الراحل الشيح محفوظ نحناح، انطلاقا من إستراتيجية »إخوانية« تعتمد على التدرج في الإصلاح، والتغلغل الهادئ والفعال في دواليب الحكم، وتفادي أي صدام مع السلطة أو حتى مع الأطراف السياسية التي تسمى علمانية، أو مناوئة للتيار الإسلامي، خلافا للمنهج المعتمد من قبل الحركات الإسلامية التي تسمى راديكالية على غرار الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة. السؤال الذي يطرح هنا هو: ما مدى قدرة القيادة بزعامة أبو جرة سلطاني على إقناع أربعة وزراء في الحركة يتواجدون حاليا ضمن الطاقم الوزاري لأحمد أويحيى بمغادرة الحكومة، خاصة الوزير عمار غول الذي أضحى قطاع الأشغال العمومية وكأنه لصيقا به، وقدرتها على إقناع تيار كامل داخل حمس يؤمن بالمشاركة ويرفض الخروج من السلطة أو معارضة الحكم لاعتبارات إستراتيجية أو مصلحية وحتى لاعتبارات شخصية محضة؟ »حمس« مهددة بأزمة داخلية قد تكون أخطر من تلك التي قسمت ظهرها في السابق وجعلتها تخسر خيرة كوادرها ومؤسسيها الذين شكلوا مع الوزير السابق عبد المجيد مناصرة حركة التغيير، فإذا كانت الأغلبية من قيادات الحركة على مستوى مجلسها الشورى قد وصلت إلى قناعة بضرورة الابتعاد عن السلطة وتجريب حظها مع المعارضة، فإنه لا أحد يمكن أن يتنبأ بالموقف الذي ستتبناه باقي كوادر الحركة، خاصة وأن »حمس« نسجت على مدار السنوات الماضية شبكة من المصالح على مستوى جميع الدوائر الوزارية، خصوصا تلك التي يشرف عليها وزراء من الحركة، وفي العديد من المؤسسات الدستورية، فضلا عن شبكة من مصالح جد واسعة على مستوى الولايات، قد تهتز، ومع اهتزازها سوف يتزعزع عرش سلطاني ومن يحيط به من القياديين، وقد يفكرون مجددا في العودة إلى حضن السلطة، وكل من جرب دفئ السلطة يصعب عليه العيش في صقيع المعارضة.