ليس معتادا ولا مألوفا، من السيد أحمد أويحيى الإقرار بالفشل، حتى وإن أراد التنصل من المسؤولية الشخصية بتعميم الفشل على الجميع•• أحمد أويحيى، الذي دأب على إغراق مستمعيه في بحور من الأرقام، يفسرها على هواه، ويستنطقها كما يحلو له، تحدث هذه المرة إلى الصحافة أرض - أرض ، ولم يحلق بعيدا عن الواقع الميداني... هل لذلك علاقة بالنتائج غير المرضية تماما لحزبه في الانتخابات التشريعية الأخيرة؟.. أم أن موجة الغضب والاحتجاج داخل التجمع الوطني الديمقراطي، هي التي كبحت جماحه؟.. المتابعون لمسيرة هذا السياسي المحنك، الذي لم يعرض نفسه على الناخبين ولو مرة واحدة في حياته، والذي يفوز دوما برضا السلطة ويتبوأ أعلى المناصب، من دون أن يتجشم أعباء تحمل المسؤولية، لم يفتهم أن يسجلوا التناقض المكشوف في مواقف الرجل على امتداد مسيرته السياسية في الحكم... وآخرها خطابه السياسي خلال الحملة الانتخابية، حين كان يرافع بشراسة ضد أي تغيير في منظومة السلطة الجزائرية وفي أدائها، حتى بدا من خلال تحليل مضمون خطابه، أن أويحيى لا يقف فقط ضد أي تغيير، ولكنه أيضا ضد الإصلاحات السياسية المعلن عنها من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ! فإذا كان السيد أحمد أويحيى يقول بعظمة لسانه أنه فشل، وفشل معه من فشل، ومع ذلك فإنه ضد التغيير والإصلاح، فمعنى ذلك أن الفشل مبرمج مسبقا، وهو مقصود لذاته وفي مثل هذا الحال، فإن السيد أويحيى يتهم مباشرة أطرافا لا يجرؤ على تسميتها بالعمل ضد مصلحة الشعب والدولة، وهو تهرب من المسؤولية، وتشبث بالمنصب على حساب الجزائر والشعب. إن الانتخابات الأخيرة، وإن جاءت نتائجها تصب في خانة اختيار الإستقرار بدل الفوضى والمغامرة، لا يجب أن تقرأ على أنها ضد التغيير والإصلاح. ولا يعقل أن يختار الجزائريون الفشل ويكرسونه سياسة ومنهجا لرسم مستقبلهم. إن حزب جبهة التحرير الوطني ذاته، وحتى بعد أن توجه الناخبون، كما لم يتوجهوا في أي استحقاق منذ عصر التعددية الحزبية، لا يكف عن الجهر بحتمية الإصلاح وضروريته، ليس استجابة لمتطلبات الرشادة والنجاعة فحسب، ولكن أيضا، لمعالجة ومراجعة الأسباب والدواعي الكامنة وراء الفشل، ومن بينها وفي مقدمتها جعل الحياة السياسية مطابقة للواقع، والاعتراف أخيرا، بأن هناك رأي عام وطني، يتعين التجاوب معه. يفرق كثيرا عند حزب جبهة التحرير الوطني بين الإستقرار الذي هو الحركة المنتظمة والمدروسة في اتجاه التاريخ وبين التكلس والجمود الذي سينجم عن حتى المغامرة والفوضى غير الخلاقة، وهو بالتأكيد ما لا يريده السيد أحمد أويحيى، المعروف باستماتته في الدفاع عن قيم الدولة الجزائرية واستعداده لاتخاذ القرارات الأقل شعبية، ما دامت في مصلحة الدولة.. إذا كانت الحصيلة سلبية، والتجربة فاشلة، من وجهة نظر السيد أويحيى فإن الطريق الأقصر لتصحيح الوضع، هو الانخراط قلبا وقالبا، في مسيرة الإصلاح والتغيير، وليس من العيب في شيء على من اعترف بالفشل، أن يعترف بأن الشعب قد اختار، ويتوجب الانصياع لاختياره.