انتقد المحلل الاجتماعي نصر الدين جابي في حديثه عن بعض المظاهر التي طبعت صائفة الجزائريين لعام 2008 بعض السلوكيات التي أدت في رأيه إلى ارتفاع حوادث المرور مخلفة بذلك مزيدا من الضحايا، كما تطرق المتحدث إلى واقع المسلسلات التركية التي شدت انتباه شريحة واسعة من المجتمع وأصبحت حديث العام والخاص، وكذا مواضيع أخرى يجيب عنها الأستاذ جابي. *تعرف حوادث المرور في الآونة الأخيرة ارتفاعا كبيرا، كيف يمكن أن نفسر الظاهرة؟ إن الجزائر تعاني من مشكل أساسي يرتبط بالفوضى العمراني وبسلوكيات المدن الكبرى التي نتج عنها سلوكات غير سوية للراجلين أو السائقين، بالإضافة إلى وجود طرقات سيئة وفي رأيي، فإن هذا البعد المرتبط بذهنيات الأشخاص موجود ويفرض نفسه بقوة، كما أنه سيبقى مستمرا ما لم تعتمد سياسات جدية للتصدي لأصل المشكلة، ولا يجب أن ننسى العشرية الفارطة التي عرفتها الجزائر والتي خلفت جيلا لا يحترم قواعد السياقة لأنه تربى في الفوضى ولم يتعلم كيف يحترم القوانين ولا حتى الدولة في مفهومها العام. وزيادة على هذه الأسباب نجد أصحاب "النعمة الجدد" الذين يعبرون عن وضعيتهم ومكانتهم الجديدة من خلال السيارات الفخمة والزيادة في السرعة وضجيج الراديو، بالإضافة إلى عدم احترامهم لقوانين المرور وهو ما يعبر بالنسبة لهم عن مبدأ إثبات الذات. وتؤكد الإحصائيات أن فئة الشباب من أصحاب السيارات الفخمة والجديدة هي الأكثر عرضة لحوادث المرور بسبب اللامبالاة وغيرها من مظاهر الافتخار والتكبر، لأنهم لا يخافون من الشرطي ويتحدون السلطة بكل الأساليب والوسائل المتاحة لهم. ويبقى أن الحل بسيط، فلا يجب أن نطالب أنفسنا باختراع العجلة من جديد، بل نطبق ما قامت به الدول المتطورة في هذا المجال بكل بساطة، وذلك انطلاقا من اعتماد الجانب القانوني الذي يمثل الردع عن طريق تطبيق المخالفات واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من السلوكيات الفوضوية، أما على المستوى المتوسط والبعيد فيجب العمل على تغيير سلوكيات السائقين والراجلين انطلاقا من شن حملات توعوية واسعة والسعي إلى تحسين الفضاءات العمرانية. *المسلسلات التركية أصبحت حديث العام والخاص، هل من الطبيعي أن يتفاعل الجزائريون بهذا الشكل مع هذا النتاج الثقافي؟ ما يحدث بالجزائر ليس خاص بنا ونحن لا ننفرد بالتقليد، لأن هذه الظاهرة تمس كل المجتمعات ومن الطبيعي أن يتأثر الجزائريون رجالا كانوا أم نساء بمهند نور ويحي ولاميس، بالمجتمع الجزائري يعيش مرحلة انتقالية من خلال عدة مظاهر، حيث نجد انه بصدد مواجهة نوع إعلامي جديد. ولعل سبب التأثر يعود إلى التقارب الثقافي بين المجتمع الجزائري والمجتمع التركي ، وفي وقت نجد فيه أن هذه المسلسلات تعكس نوع من الواقع الذي يجد له أثرا في نفوس المراهقين والشباب بصفة عامة. ولا يجب أن ننسى أن الأتراك قد نجحوا إلى حد كبير في تسويق ثقافة معينة واستطاعوا أن يحققوا شروط منتوج تلفزيوني ناجح، ويبقى أن الأمر لا يدعو إلى التخوف، فهي مجرد مسلسلات استهلاكية سرعان ما سينساها الجزائريون كما حدث مع المسلسلات المكسيكية، والمسلسلات الشهيرة ك "دالاس" وغيرها. *الحراقة لا تزال تطرح نفسها بقوة، كيف يمكنكم أن تفسروا تطور الظاهرة؟ إن ظاهرة الحراقة تعد مشكلا جديا لأنه يعكس أزمة مجتمع وقضية اندماج لهذا الشباب في المجتمع الذي يعيش فيه، كما تعبر عن فقدان هذه الشريحة المقبلة على الانتحار للأمل وعدم قدرتها على المقاومة، فهل نستطيع كمجتمع، كنظام سياسي، اقتصادي وحتى ثقافي أن نستوعب هؤلاء الشباب؟ العملية في تقديري ليست بالسهلة، حيث يجب أن تحل المشكلة في إطار مقاربة شاملة، عن طريق التكفل بمشكل البطالة، السكن وغيرها من الملفات العالقة، كما يجب دفع عجلة الاستثمارات من أجل خلق فرص العمل وإعادة الثقة للناس. *الجزائريون متذمرون في الصيف ومراكز الترفيه تكاد تكون منعدمة؟ أولا يجب أن نعترف بان الترفيه في الجزائر جد مكلف وليس في متناول الجميع، وبسبب غياب مراكز ترفيه متخصصة بأسعار معقولة، فإن عديد من الجزائريين يفضلون الذهاب إلى دول مجاورة كتونس أين يجدون خدمات أفضل بأسعار أقل، بالإضافة إلى الأمان والراحة، أما فيما يخص الشريحة المتوسطة التي لا تستطيع آن تدفع ثمن الراحة، فهي تسقط في الترفيه الشعبي الذي يفتقد لشروط الآمن والسلامة وغالبا ما نجد حالات اعتداء أو تسمم. إننا نعيش عملية تحول ديمغرافي والشاب يفضل أن يرفه عن نفسه مع أصدقاءه وليس مع العائلة والواقع يؤكد أن هذا النوع من الترفيه الذي يضمن استقلالية هذه الفئة من الشباب غير متوفر في الوقت الراهن، خاصة وان الترفيه التقليدي لا يكاد يستقطب إلا فئة جد قليلة من المجتمع. *الهواتف النقالة بدورها لا تكاد تفارق الجزائريين؟ ظاهرة الهواتف النقالة جديدة في الجزائر وأصبحت جزء لا يتجزأ من الاستهلاك اليومي للمواطن، خاصة وان هذه الوسيلة أصبحت في متناول الجميع، ويبقى أن الهاتف النقال وأمام الخدمات الجليلة التي يقدمها للإنسانية يجب تسييره بعقلانية تسمح لنا بالتحكم في العلاقات الإنسانية.