اقتربت نشوة الأكراد من فقدان بريقها، وأمريكا لم تر فيهم شكل الحليف الدائم القادر على امتلاك ورقة رابحة في تنفيذ مخططات دولية كبرى تستثمر الأزمات ألداخلية، فالدور الكردي أمريكيا وعالميا انتهى وما عاد أحد بحاجة إلى خدمات الأقوام النازحة من عمق آسيا في عصور ألهجرات الكبرى، واستقر بها المطاف في أطراف العراق وتركيا، إيران وسوريا باثة الفوضى بنزعاتها الانفصالية المرفوضة إقليميا.. العراق سقط سياسيا في فخ الاحتلال الأمريكي البغيض، وكان الأكراد عجلة في مركبة الغزو العسكري الذي بلغ أقصى أهدافه مستنفذا فاعلية أدواته القديمة، متجها إلى تصميم أدوات تؤسس لوجود دائم يتوافق مع أمن القوى الإقليمية الرافضة لتنامي كيان كردي يسعى إلى تجزئة دولها المتمسكة بوحدتها التاريخية. و"إقليم كردستان العراق" الذي تحول بنشوته المؤقتة إلى شبه دولة تسعى إلى التوسع جنوبا للسيطرة على منابع النفط.. تعد تركيا ألعدة لتقويضه تماما وإسقاط ألحلم الكردي بإقامة دولته الكبرى عبر اكتساح مواقع حزب العمال الكردي وإنهاء وجوده إلى الأبد، بتأييد أمريكي-بريطاني هدفه الحفاظ على مصالح الحليف الإستراتيجي.. فأمريكا أعلنت بلغة غير مباشرة استنفاذ حاجتها للأداة الكردية ألتي كانت أحدى ذرائعها في غزو العراق وتخليها عن دعم المشروع الكردي القديم بإقامة دولة لن يسمح بها أحد، ومنحت تركيا الضوء الأخضر لفعل ما تشاء من أجل ضمان أمنها والدفاع عن سلامة أراضيها، وستكون حليفا لها عند بدء عمليتها العسكرية الكبرى بغزو شمال العراق وتدمير معاقل إقليم بنى جدرانه من خيوط عنكبوت واهية. ولم يعد أمام ما يسمى ب "رئيس إقليم كردستان" الدعوة إلى ضم كركوك النفطية ورفع العلم الانفصالي فوق جبال العراق، والجلوس آمنا في أربيل من أي خطر خارجي.. فتركيا تأتي إليه غازية دفاعا عن قوميتها التركية المضطهدة في العراق، وحماية لوحدة أراضيها التي يهددها حزب العمال المصنف في أكبر لوائح لعالم ب"لإرهابي". الأكراد خسروا كل شئ.. وهو آخر مؤشر لوجودهم الانفصالي.. ولعلهم أدركوا بعد فوات الأوان أن الرئيس الراحل صدام حسين كان أكثر صدقا معهم حين منحهم كل الحقوق التي تحرم على قوميتهم في تركيا وإيران وضمن لهم وجودا قوميا وحضورا في قلب مراكز القرار السياسي.. وما فقده الأكراد لن يعوضوه مطلقا.. والحق على من يحول قضيته إلى سلعة تباع وتشترى في سوق سياسي عالمي متقلب. وأمن تركيا حليف أمريكا الإستراتيجي الأهم في منطقة الشرق الأوسط له أولوية تفوق كل الأولويات في أجندة إدارة البيت الأبيض التي تجدد إعلانها الرسمي بأن حزب العمال ألكردي هو "العدو المشترك للولايات المتحدة وتركيا" كغطاء لغزوتها العسكرية ذات الأبعاد الإستراتيجية الأعمق من مشاهد ينقلها الإعلام المرئي.