في بيتي الكبير المسمى وطناً.. على أخبار الدم المستباح أصحو وعلى أخباره أنام، قصف هنا وقتل هناك، غزة والعراق وحتى بيروت كوابيس نومي ويقظتي في وطن يعاني من تدخل أجنبي شديد وسبات قومي مديد.. على صوت زعيق ناشري الفوضى ومثيري الفتنة ومتعهدي الهيمنة الغربية آخذ يمني أو يساري في الطريق الموسومة بعلامات مرسومة.. أتوقف عند الإشارات الحمراء التي يضعها في طريقي رحال بوش بيد أخي وصديقي.. هذا ممنوع وهذا مسموح.. توقف.. سر، طأطئ راسك، افتح عينك اليمنى.. أغمض اليسرى.. كل.. نم.. مت .. لا تصرخ. انظر ولا تر.. فكر ولا تعبّر.. قل ما تشاء في سريرتك من دون أن تسمعنا صوتك.. إليك علامات طريق التفكير والتدبير والتعبير.. المواطَنة والمهادنة لكي تكون في مأمن منا.. هذا إرهابي يحظر عليك إذا قتلناه أن تؤبِّنه أو أن تذكره بخير.. وهذا غير ذلك.. هذا رجلنا في السراء والضراء إذا هبَّ عليه نسيم عكَّر مزاجه فعليك أن تصدح بالدعاء له حتى "يروق ويرفرف ويزقزق.." .. هذا مصادَر وهذا محاصر وهذا متهم وهذا مسموح بانتشاره.. هذا ضدنا لأنه ليس معنا ويكفي قولنا دليلا.. هذا أخلاقي وهذا غير أخلاقي وفق معيارنا.. هذا.. وهذا.. وهذا.. وعلى الرغم من أنني أعرف أن الرئيس الأميركي جورج بوش قائد الغرب اليوم كذب أكثر من مرة على أمته وعلى أصدقائه وحلفائه، ومنهم البريطانيون، وعلى العالم أجمع في مجلس الأمن الدولي.. إلا أن القوة التي يمثلها تمنعني من إيصال الصوت بأنه كذاب، فمن يملك إيصال صوتي مملوك بماله وأقماره الصناعية وعصاه السحرية.. اسكت..تكلم .. اعمل.. إلخ وتجعلني أتوقف لأقرأ إشاراته وأفكر فيما يمكن أن تتركه مخالفتها من آثار لا تتوقف عند انتهاك جسدي وإراقة دمي بل تتعدى ذلك إلى من هم على صلة بي.. أي صلة بي!! وقد يصادر أموالي واستثماراتي التي تطوِّق الكرة الأرضية بطوق نهب حديدي وتغزو حتى الولاياتالمتحدة في عقر دارها، وتزيف ديمقراطيته النقية التي تفتح له أبواب التدخل في شؤون الآخرين على مصراعيها.. فهي تجارة حرة في عالم التجارة الحرة التي يتاجر بها والرأسمالية التي يعتمدها، وقد تحيي الشيوعية والاشتراكية اللتين أماتهما؟ وتنال من الليبرالية التي ينادي بها.. وقد تقلب كل المعالم والعوالم والعلمانيات التي شيدها!.. وقد تعكر صفو روحه في صلواته مع صديقه الإنجليزي المسؤول بحكم انتمائه البريطاني عن نكبة الفلسطينيين وعن انتشالهم من البير في الوقت نفسه.. أعني السيد بلير، الصلوات التي تسأل الرب نجاحاً لحملته الصليبية المقدسة على "العرب والمسلمين الكفرة" التي نشر بينهم المبشرين ورصد لهم الأموال وشجعهم على نشر كتاب يدعى " الفرقان الحق" يقع في سبع وسبعين " سورة " مختلفة، باللغة العربية التي نزل بها القرآن، "ليزلزل الإيمان ويعارض القرآن" حسب رأيهم ويحول مسلمين عن الإسلام إلى المسيحية.. ومما جاء فيه مما سموه " آيات؟" هن محرفات بعمد يهدف إلى النيل من القرآن بنص يتداخل مع نصوصه ليشوهها ويشتبه على بعض الناس: (بسم الأب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد. مثلث التوحيد.. موحد التثليث ما تعدد)،و" (والذين اشتروا الضلالة وأكرهوا عبادنا بالسيف ليكفروا بالحق ويؤمنوا بالباطل أولئك هم أعداء الدين القيم وأعداء عبادنا المؤمنين)، و(يا أيها الناس لقد كنتم أمواتا فأحييناكم بكلمة الإنجيل الحق. ثم نحييكم بنور الفرقان الحق)، و(لقد افتريتم علينا كذبا بأنا حرمنا القتال في الشهر الحرام , ثم نسخنا ما حرمنا فحللنا فيه قتالا كبيرا)!!.، (وزعمتم بأن الإنجيل محرف بعضه فنبذتم جُلَّه وراء ظهوركم). (وقلتم: آمنا بالله وبما أوتي عيسي من ربه، ثم تلوتم منكرين.. ومن يبتغ غير ملتنا دينا فلن يقبل منه.. وهذا قول المنافقين) !!. وخصص لهم بوش أموالاً طائلة، واتخذ لهم مؤسسات مدنية تعمل في مجالات المساعدة الإنسانية، وهي تتجسس وتعمل على نَصْرَنَة المسلمين في بلاد العرب المسلمين، وتحميهم فيها قوانين وإرادات وارتباطات وتدخلات ومؤسسات دولية من أنواع وألوان لا يعرفها إلا الرحمن.. وتنتشر في الجزائر والمغرب من بلدان العرب في شمال إفريقيا وفي مصر والسودان، وفي دول الخليج والأردن والعراق ولبنان وبقية بلدان العربان.. النائمة بحمد الله على بساط من " الراحة" لا يحركها الدم والدمار والقتل والاحتلال.. ولا يؤذيها أن ينادي مناديها: إذا هانت عليكم عقيدتكم وهويتكم ولغتكم وقوميتكم وصِلات قرباكم وتاريخكم فما الذي لا يهون عليكم من بعد؟ أهي بطونكم التي تملأ وتفرغ؟ .. رحم الله إماماً من أئمة مذاهبكم قال: " ويل لابن آدم إذا تحول إلى مجرد معدة. أنا في عالم منفوخ بالكذب والتناقضات والادعاءات، منذَر بالتحولات الكارثية، ينام بين ركام الحطام في الهم والأوهام.. أسير على قدمي وخال أنني أمشي على رأسي، وحين أتيقن من أنني أمشي على قدمي يضيع رأسي في الزحمة وأفقد القدرة على الإبصار والتمييز بَلْه القدرة على إعمال البصيرة وإرادة والاستفادة مما لدي من الوعي والذخيرة المعرفية للتفريق بين الصالح والطالح، النافع والضار، المنقذ والمودي إلى التهلكة.. أنا في عالم لا نهاية لوجوهه المقنَّعة ولا مندوحة من التفكير بوجاهة وجوه تعرَض له بتضخيم وتفخيم وتصميم.. كل وجه من تلك الوجوه المتداخلة بين أقصى الشر وأقصى الخير يطلب إليك أن تراه وجهاً للعالم الحق.. وحين أدخل بيتي العربي الكبير لأحتمي من العواصف الهوج، لائذاً به من متاهة وضياع واتقاءً لأشكال الدُّوار.. يدخِلني الدوامة بما لا يقاس مع حدة الدوار الذي أهرب منه لأستجير به.. يدخِلني عالمه المسكون بالدم والقتل والدمار والسلبية وأساليب الأشرار ونافخي النار.. يدخلني في الهلع والغضب وصراخ الروح.. تأخذني الكآبة إلى كهوفها وأتوه في دروبها وأزقتها المنتشرة بين رئتي وقلبي، بين كبدي وكليتي، في بيت ليس لي سواه.. بيت الأمة والعقيدة واللغة والأخوّة والتاريخ.. بيت الأسرة العربية الواحدة التي ما بقي لها مما يوحدها إلا الذاكرة المشروخة والنزف الوجداني وبعض الدموع على أطلال الكرامة.. فأبكي بلا دموع وأنادي بلا مجيب وأستجير بلا مجير.. وتلفني أعاصير وأعاصير.. فلا أنا مع المهتدين إلى وجه الوطن الأصيل ولا من الكافرين به وبقدرته على أن يكون أصيلاً ومنقذاً وملجأً لأبنائه كافة. بيتي العربي منتهَك وممتلئ حتى حواف كأسه بمر الشراب علقمي المذاق.. تسكنه ألوان من النفاق والفساد والإفساد، وألوان من التواكل والتآكل والتواطؤ حتى على الذات، وألوان من تناقض الأنظمة والحكام والأحكام والرؤى والمعايير التي تجعل المقاوِم المضحي بروحه من أجل الأمة ودينه إرهابياً مداناً، ومن البطل الوطني والقومي مجرماً جباناً منبوذاً، ومن المنتمي للأمة والعقيدة خارجاً من جلدها وعليها، ومن السّفاح عادلاً ديمقراطياً ومن العميل المتآمر عليها صاحب وجهة نظر ورؤية ومصلحاً يتجشم مشاق إقناع الأعداء بغزو بلده واحتلاله وإحضار المحررين والمصلحين على ظهور الدبابات.. ومع ذلك يتهمون ذلك " المنقذ الفذ؟" بالعداء للتراب الطهور الذي أنبته وللتربة الثقافية والروحية التي نشأ فيها وبالإساءة للمقدسات والمس بالمحرمات وبالقداسة الروحية التي لا يجوز المس بها.. فيثور ويمعن في القتل والغرور. أنا في أرضي التي ليس لي سواها ولا أريد أن أخرج منها.. أرض عرب اليوم.. عرب ما بعد الحداثة السياسية والإعلامية.. عرب ما بعد الفضائيات المتناحرة، والكراهيات المتدحرجة، والسقوط المدوي في متاهات الكلام والإعلام وتهافت السلوك والخيارات، عرب التبعية والخوف والقطرية الضيقة والتآمر على الذات.. عرب الزمن الأكثر رداءة من أي زمن في بعض المواقف والمواقع المؤثرة في السياسة والسيادة والريادة والتكوين والسلوك.. فلا تستغربن أبداً إذا ما دخلت زقاقاً من أزقة المدن ولم أخرج منه لأنني تهت ولم أحسِن قراءة الإشارات.. فعلي أن أتعلم طول حياتي لأعرف مدلول الإشارة ولا أقع في المحظور.. فهناك إشارات تفيد الدلالة على الممنوع فعله والمسموح به، ولكنها قد تنطوي على مغايرة ومداورة في المعنى والمبنى والمرمى.. وقد تقودني المخالفةُ إلى تشهير مدبر بأدوات ووسائل منها وسائل إعلام تستنفر لتنال من "مارق" يريد أن يكون ذاته ويخرج على إرادة "السيد أو من نصبه سيداً" وعلى إرادة رجاله المؤتمنين على بقائه ونفاذ إرادته.. ومن رجاله أعلام يجرجرونك أمام عدالتهم التي تقف لك بالمرصاد.. إنها عدالة ممولة ولا ضير في ذلك.. عدالة "إعلاميين ملائكة معصومين" لا يأتيهم الباطل من أي طرف أو جهة أو اتجاه.. وحين تسألهم من خولهم ومولهم يصرخون بأن في ذلك مس بحرية التعبير وحرية التشهير.. وهم في مراتبهم ومراكزهم من جنس فوق الناس وفوق القانون وفوق الشبهة.. عدالتهم الظنون وأحكامهم المنون.. فإن شئت استكنت واستسلمت وقبلت وإن رفضت شُُتمت ولُطمت وشوهت صورتك.. ولديهم تمثيليات يقومون بها وألفاظ يستخدمونها يتفوقون بها على وزراء الداخلية والإعلام ورجال الأمن الذين يسابقونهم على من يكون أشد فتكاً في الناس، وأفتك لحظاً وباس، وأسلم درباً وأكثر ريعا،ً وأنفذ رأياً وسهماً وسما في عباد الله ممن له رأس أو يبحث عن حماية ما تبقى له من رأس.. لا سيما ممن كُتب عليهم أن يكونوا مواطنين.. في وطن يعبث بالقوانين وتعبث به جهات باسم القوانين. لا تلوموا الغريق الذي يتعلق بقشة.. لا تلوموا قلوباً ظامئة إلى الحب والأمن من جوع وخوف في بلاد الحب والثروة والأمن.. لا تلوموا غريقاً يتمسك بقشة وجناح حلم، ويعتقد أن أمته ليست قابلة للزوال وأنها تستحق أفضل مما هو متاح لها ومما هي عليه.. لا تلوموا بقايا الإنسان في الإنسان وهي تنازع الموج لتنجو من الغرق.. فمن يحب الحياة لا يُلام إذا اجتهد وجاهد وتعلق بالحياة.. فتلك طبيعة فُطر عليها الإنسان في كل مكان وزمان.