لم أكن وحدي حينما شعرت ببؤس المرحلة التي يمرّ بها الفقه الإسلامي اليوم، ففقهاء الفضائيات أو الخمس نجوم يثيرون في الناس فتنة لا مثيل لها بفعل شهوى الفتوى التي تمسّ كل القضايا وما استحدث على الناس وما استشكل وحتى ما يدخل في دائرة "أفتوني في رؤياي".. المشكلة أن معظم هؤلاء النجوم شيوخ مدرسة فقهية واحدة ومن بلد واحد، وفي كل مرّة يطلعون على الناس بفتاوى تثير ردود فعل مختلفة في الأوساط الدينية والثقافية والإعلامية. لعل لهذا الانفجار الإعلامي دور في ذيوع صيت هؤلاء الفقهاء الذين يشتغلون على التحريم أكثر من اشتغالهم على الإباحة، ويميلون إلى الخروج عمّا ذهب إليه أغلبية الفقهاء، بل ويخرجون بفتاوى يصدرونها فتتلقّفها الأسماع والأبصار وتتحوّل إلى ما يعرف بالأخبار الأكثر تداولا.. ميزة هذه الفتاوى أو التصريحات أنها تخوض في مسائل لم يألفها الناس، منها الأحلام والألعاب وبرامج التلفزيون والفضائيات والبيبسي والكوكاكولا، والجينز والملابس الداخلية النسائية والمداعبات الجنسية والصور وحتى الزلابية والقائمة طويلة وغريبة.. كثير من فقهاء هذا الزمان ابتعدوا عن الاشتغال على قضايا الوحدة والدعوة، وعلى قضايا الاستبداد السياسي وانعدام الحريات والفساد وغياب العدالة الاجتماعية، ناهيك عن التوريث في الحكم والدوس على الدساتير والمواثيق للاستمرار في الحكم والاستئثار به وعدم الإصغاء لصوت الشعوب. هناك أزمة حقيقية في الثقافة الإسلامية المعاصرة اختزلت الدين في هذه المسائل وقدّمت خدمة للتطرف من جهة ولأعداء الإسلام من جهة أخرى، وإلاّ ما معنى هذه الفتاوى التي لا تراعي أولويات الصراع بين الحق والباطل ولا فقه المصلحة وصون المقاصد الكليّة، ماذا يفيد الناس غير أن يستغربوا حينما يقول لهم أحد هؤلاء الشيوخ في قياس غير صحيح بأن الفأر حيوان نجس ويدخل ضمن الحيوانات والحشرات النجسة المعروفة ب "الفواسق" ولذلك فإن ميكي ماوس الشخصية الكرتونية جعلت ما هو مستقذر فطرة وشرعا، حيوانا محبوبا لدى الأطفال..! لم أكن وحدي حينما شعرت ببؤس المسلمين وفقر مثل هؤلاء الفقهاء، وحزنت لأن الجزائري عندنا مثلا حينما يريد وضعك في صورة حجم الرداءة في التسيير التي يحيا يقول مشبّها في بلاغة : "بلاد ميكي" فتحوّل الأمر الآن إلى فتاوى ميكي.. ! "من بين المشكلات الرئيسية التي يعانيها المسلمين اليوم مشكلة هذا الفقه المتخلّف". الشيخ محمد الغزالي