دكتور محي الدين عميمور بداية أعتذر عن العنوان، الذي أردته تعبيرا عن مضمون الحديث، تنويها أو تحذيرا. ولقد استوقفتني "نقطة صِدَام" للأخ أسامة وحيد في "البلاد" وقوله : "ما أحدثه المُطرب تامر في البلد خلال يومين من نزوله ضيفا على خليدة تومي إقالة حقيقية للحكومة وللسلطة وللطبقة السياسية بعدما فضحنا ذلك ال"تامر" وكشف أن الجيل القادم، الذي هو عماد الأمة ومُستقبلها، جيلٌ جريحٌ ومحرومٌ وباكٍ، وفوق هذا وذلك جيل مُحتاجٌ للحنان، فهلا فكرت الحكومة في استيراد الحنان لهذا الجيل البائس ؟" كانت هذه الصرخة زفرة الجزائر كلها وصدى لآلام الوطن بأكمله، ومع تقديري للكاتب أريد أن أختلف معه، فالمطرب الذي "فضحنا" لم يكن، فيما أعرفه عن الوزارة وحدود ممارساتها، ضيفا على خالدة تومي، ولكن على الثقافة الجزائرية كلها والتي لا تحتكر وزيرة الثقافة حق تمثيلها أو الحديث عنها، ولعله كان عليها أن تستعين بزميليها في قصر سعدان والثغوريين لكي تضع دركيا أو شرطيا على باب كل أسرة حتى لا ترسل ببناتها لممارسة هستيريا جماعية لم يعرفها شعبنا من قبل، أو أن تحشد موظفي الوزارة ومن تطوع من الفنانين لكي تحول بين المراهقات والمغني الذي جاء في إطار عملية تجارية مارسها القطاع الخاص ؟ وأستدرك لأقول هنا بأن على الوزارة التقدم بمشاريع قوانين تضبط تصرفات القطاع الخاص في المجال الثقافي والفني، تصدرها الحكومة، ويعتمدها البرلمان، ويتصدى المثقفون لكل من يعارضها بحجة حرية التعبير المُقدسة، ويتعاون الجميع لتنفيذ التنظيمات المُقترحة. غير أن الهستريا الجماعية قنبلة انشطارية يُمكن أن تصاب بها الحشود بمجرد وجود مجموعة صغيرة تشعل الفتيل، وقد يكون هناك محترفون يقومون بذلك عمدا ولأهداف دعائية . ثم، لماذا لم تذهب ابنتي أو أختك أو شقيقة زميلنا أو ابنة عم صديقنا لتشارك في المهزلة التي عشناها؟ الإجابة بسيطة، فقد علّمْنا أبناءنا كيف يُحبون الفن الراقي وكيف يتفاعلون مع الطرب الأصيل، وشاهدي على ذلك حفلات ماجدة الرومي وكاظم الساهر، وقبل ذلك في الأيام الخوالي، محمد راشدي وأحمد وهبي وسلوى ونورة وخليفي وغروابي ووردة وغيرهم وكذلك عبد الحليم حافظ وفايدة كامل وهدى سلطان ونجاح سلام وقبلهم فريد الأطرش .... والقائمة طويلة، وتؤكد بأن شبابنا تجسيد للتجاوب النظيف مع الفن النظيف، بدون أن أنسى ما ناله فريد في قسنطينة يوما لأنه لم يُشر للجزائر في "بساط" الريح. وهكذا فإن اللواتي "تبظعن" على تامر لا يُمثلن شبابنا في شيء، ولعل معظمهن من بنات الطبقة الطفيلية الجديدة التي صنعت ثروتها السنواتُ السوداءُ والحمراء، ومعهنّ مراهقات لم يجدن من يأخذ بيدهن ويوجه عواطفهن، والمجموع تحركه الكباريهات الفضائية التي يُمولها نفس من مولوا قنوات الفتاوى المشبوهة، وهذه وتلك جزء من عملية اختراق المجتمع العربي التي عاشتها بلدان عربية بعد كامب دافيد، حيث أفسد مالُ النفط كلَّ شيئ، حتى الفساد نفسه. وهذا يعني أن "المندبة" الكربلائية التي اندفعت إليها بعض الأحزاب والهيئات والجمعيات والشخصيات وبعض الدعاة، في استنساخٍ لسيناريو عرفته بعض الدول العربية في التصدي لهيفاء وهبي (التي لا أعرف شكلها) هي في واقع الأمر محاولة للتهرب من مسؤولية الفشل في تأطير الشباب وتوجيهه واستقطاب طاقاته. ولقد قرأت لمن تساءل في حزن وأسىً عما إذا كانت فتيات القاعة البيضوية يعرفن، بجانب أمثال تامر، شخصيات كالشيخ البشير الإبراهيمي، وأنا أتساءل بدوري : متى أتيح للشباب فرصة مشاهدة برنامج متلفز جيد عن الإبراهيمي وغير الإبراهيمي ؟، ولن أذكر بنسبة من لا يتابعون التلفزة الوطنية مقارنة بمن يتابعون الفضائيات، التي عرفت كيف تستقطب الناس على حساب شاشتنا الصغيرة. ولقد أشرت في حديث سابق لمطالبة "الزُّويعم" بتقليص مدة الخدمة الوطنية لتكون ثلاثة أشهر، في حين أن هذه كانت مدرسة الشباب وقلعة الوحدة الوطنية، وكل ما يحدث، بما في ذلك مأساة قوارب الموت والعديد من الاضطرابات التخريبية في بعض نواحي الوطن، يفرضُ علينا أن نعيد النظر في تجاهلنا لذلك المشروع الوطني الكبير. وعلى قيادات الأحزاب والجمعيات أن تواجه فشلها وتعكف على دراسة المأساة التي يعيشها الشباب، وهي، كما تأكد اليوم، ليست قضية معيشة متدنية أو أحوال اجتماعية سيئة بقدر ما هي فراغ هائل في النفوس والأرواح، تحتاج لمن يواجهه ويوجهه. وقد يتساءل البعض في مجال المزايدة : كيف ؟ وأردّ ... عليكم أنتم أن تبحثوا عن الكيفية وتريحونا من بلاغات الشجب والتنديد التي تكشف قصوركم وتقصيركم. ومن السهل أن يريح البعض ضميره بتوجيه أسئلة للحكومة، معظمها بهدف الإحراج، ولكن الأهم أن توجه الأسئلة للعائلات التي فشلت في رعاية أبنائها وتوجيههم، وللطبقة السياسية والمجتمع المدني ولكل من تجاهل مهمته الأساسية ووجد بضاعته في المتاجرة بعهدة ثالثة. وأنتقل إلى أمر آخر ينطبق عليه نفس العنوان، وهو الخطاب الذي ألقاه شقيقٌ في الاحتفال بخمسينية مؤتمر |طنجة" الذي أحسن عبد الحميد مهرى بعدم المشاركة فيه، ولا أعرف من الذي نصح عبد العزيز بلخادم بحضوره ليستفزه السيد محمد اليازغي بخطاب ساذج أقحم فيه قضية الصحراء الغربية، والذي لا أعرف ما إذا كان، كوزير مُمارس، لا ينطق عن الهوى، غير أن تصرفه ذكرني بقصة الدب وصاحبه والذبابة، فقد أعطى الفرصة لبلخادم كي يقول على الملأ ما لم يكن مضطرا لقوله في اجتماع تكريمي، وبغض النظر عن التهريج لذي حدث. والواقع أنه، ورغم اختلافي مع بعض مواقفها فقد قلت أكثر من مرة بأنني أحمل للديبلوماسية المغربية تقديرا كبيرا عندما تقول الكلام المُناسب في المكان المُناسب وفي الوقت المُناسب، لكنني لست أدري من هو الرجل الطيب الذي دعا، وهو صائم، لكي تصاب هذه الديبلوماسية بعمى الألوان. فقد سبق مهزلة "طنجة" هجمة مغربية متشنجة ضد عقد البوليزاريو مؤتمر "تيفاريتي"، والذي كان يُمكن أن يمر في ظل التعتيم، لكن الهجوم المغربي سلط عليه الأضواء، ودفع كثيرين إلى التساؤل عن تيفاريتي هذه، التي توجد في الصحراء الغربية بجوار موريطانيا وبعيدا عن الجزائر وشرقي جدار العار، وهو ما ذكّر الناس من جديد بالمأساة الصحراوية والعناد المغربي، الذي ساهم في تأكيده ما صدر عن الأستاذ الفيلالي من تصريحات أكدت الأطماع المغربية في موريطانيا (والغريب هنا أن الإشارة لكتابه سُحبت من إيلاف في اليوم الأول لنشرها) وتلا ذلك بيان ينادي بفتح الحدود صدر عن وزارة الخارجية المغربية (وليس الداخلية التي يدخل الأمر في إطار نشاطها) وكان ذلك يوم خميس، أي خلال العطلة الأسبوعية الجزائرية التي تستغرق يومين، وكان واضحا أن القضية مجرد تسجيل مواقف، وبالتالي قوبلت ببرود أجهض الأمر، وتوقفت "الجزيرة" عن ذكره تماما بعد مُداخلة لي وللأخ الصادق بو قطاية. لكن الأسبوع الموالي عرف، وبنفس الأسلوب المُنفرد، بيانا يطالب بحل قضية الصحراء الغربية صدر عن الداخلية المغربية (وليس الخارجية التي تتابع الملف). وبكل أخوة أقول للأشقاء بأننا ما عرفنا عنهم تخبطا كهذا، ولقد قلت في برنامج متلفز عبر "ملفات مغاربية" في قناة "العالم"( قد يبث مساء اليوم، السبت) بأنني أتفهم تماما أبعاد الخلاف وماهية الاختلاف، وتعبيرهم عن وجهة نظرهم لا يُزعجني، لكن ما يُزعجني هو نزولهم عن المستوى العالي الذي عُرف عنهم، لأنه يبدو إقرار بالفشل لا تهليلا بالنجاح. ولقد تذكرت تعبير شعبيا عن الذي اعتبر "البصقة" (حاشاكم) "دُورو" عندما تابعت تهليل بعض الأشقاء لتصريح مندوب الأمين العام للأمم المتحدة، الذي شكك في إمكانية استقلال الصحراء الغربية (في حين أن المطلوب هو ضمان حق الشعب في تقرير مصيره، انضماما أو استقلالا كاملا أو ذاتيا) وبالرغم من أن "بان كي مون" وصف التصريح بأنه شخصي، وهو لا يحمل أي صفة إلزامية ويكشف عن مدى سذاجة قائله. ويبقى أمر آخر يرتبط بالعنوان وبما سبق، وهو التصريح "التاريخي" الذي أفرزه الزعيم التاريخي من ملاذه التاريخي في سويسرا وينادي فيه بفتح الحدود بين الجزائر والمغرب، بعد مقدمة بلاغية تجسد ما يُسمّى "لغة الخشب"، كان هدفها الرئيسي تمرير جملة تطالب "بمنح شعوبنا حريتها"، أو كما قال. ونسي أخونا أن الحدود الجوية بين الجزائر والمغرب مفتوحة، وكذلك الحدود البحرية، وأن الحدود البرية يخترقها أنبوب الغاز الجزائري الذي يتجه إلى إسبانيا عبر المغرب الشقيق، ويستفيد منه الجميع، وأن طول هذه الحدود 1830 كم، ويفرض تنظيم عملية مراقبتها والتأكد من نوعية ما يمر عبرها، سلعا وأشخاصا، مما يتطلب عملا مشتركا تساهم فيه سفارتا البلدين، وعلى رأس كل منها رجل قدير، وتفعيل اللجان التي تتدارس كل القضايا العالقة بين البلدين، تاركة قضية الصحراء الغربية لمجلس الأمن، إلى أن يقضي الله أمر كان مفعولا. وأسجل أيضا، ودائما تحت ظلال عنوان اليوم، ما روته "الجزائر نيوز" عن السفير الفرنسي من أنه قال في قالمة بأن : "العلاقة بين الجزائريين والفرنسيين خلال الفترة الاستعمارية كانت علاقة مودة، وأن المعمرين "طردوا" من الجزائر، وهم الذين ولدوا فيها وعملوا على هذه الأرض التي أحبوها حبا جما، ثم اقتلعوا منها يوما بشكل مُباغت"، أي والله ...!!. لكن يبقى أن السفير الفرنسي اعترف ضمنيا بما ننتظر أن يكونا اعترافا رسميا يتلوه اعتذار رسمي، وهنا يأتي دور الطبقة السياسية والمجتمع المدني، الذي يترك للقيادة ممارسة الديبلوماسية طبقا للتصور الذي تراه، ليكون العمل الحزبي والإعلامي والشعبي مجالا واسعا تستفيد منه البلاد في المناورة والضغط. وأجرؤ على التذكير بالأسلوب الإسرائيلي.