عاد الفاتح نوفمبر هذا العام مثل العام الذي مضى ومثل الذي يليه.. سيعود نوفمبر كل عام وستحتفي به الجزائر في الأناشيد والعيد والبرلمان.. لن يمرّ كغيره من الأيام، لأنه يسجّل علامته كيوم عطلة مدفوعة الأجر..وسيسجّل حضوره من خلال التلفزيون الذي يُعيد على الناس نفس الأفلام القديمة التي خبّأها للذكرى، هناك معركة الجزائر ودورية نحو الشرق والعصا والأفيون، وهناك شيء من الأفلام السخيفة ك "السيلان"، ولا عتب على أناشيد ملّ الناس من سماعها غنّتها وردة أو فرقة شابة شاخت الآن مثل فرقة "لأجلك يا وطني"..! لن يمرّ الفاتح نوفمبر كغيره من الأيام فلدى السلطة خطاب تجتر إنشاءه اجترارا، لغته رطبة ومعانيه حلزونية يعتبر الاحتفاء بنوفمبر واجبا مقدّسا من حيث الشكل ولا بد إذا من الزخارف التي تُجمّل النظام وتمنحه شبابا ولو كان مزيّفا.. ليس مهما سؤالك عمّا تحقّق من نوفمبر وما لم يتحقّق، تلك هرطقة السؤال، الأهم أن يصطفّ الأولاد كل صباح في الساحة ليرفعوا العلم الوطني ويُنشدوا قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات.. ليس مهما أن تُفكّر في الإجابة عن الأسئلة الجوعى التي تعوي في صدور الأجيال الجديدة حول واجب التاريخ وكيف نجعله بيد الأمة لا السلطة حتى لا يتحوّل إلى ثوب تلبسه لإضفاء الشرعية على ممارساتها وانحرافاتها فلا تُصالح من خالفها ولو كان من أهل نوفمبّر ومن صُنّاع بيانه وعهوده.. ليس مهما سؤال التحديث والتعدّدية ولا سؤال الدمقرطة والحريات، ولا سؤال العدالة والمساواة، الأهم هو الوطنية التي أكبر تجلياتها بهرجة الاحتفال وطلقات المدفعية.. ليس في تاريخ الثورة ما يُخيف، وما على الشباب إلاّ تقديس هذه الثورة لأنها أعظم الثورات في القرن العشرين وإنجاز الاستقلال السياسي من عظائم ما أُنجز وما على "الخونة" إلاّ الخرس لأنهم خدم الاستعمار وأذياله.. عاد الفاتح نوفمبر هذا العام مثل الذي مضى والذي سيليه، سنحتفل بنفس الأدوات والإخراج، واللُي ماعجبوش الحال يشرب من البحر.. ! أما بعد: "وهل تتساوى يد..سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك"؟