لماذا لا يحتفل الجزائريون بعيد استقلالهم كاحتفالهم بانتصارات الكرة؟ سؤال نطرحه دائما كلما اقترب الخامس من شهر جويلية، ونحن نشاهد اكتفاء الجميع بالاستفادة من عطلة هذا اليوم المدفوعة الأجر. وإذا كان عامة الناس لا يطرحون على أنفسهم هذا السؤال، ويهيمون في كل واد إذا قرروا الإجابة عنه، فإن لولاة أمورنا بالتأكيد الإجابة المؤلمة؛ فمن غير المعقول أن يرفع الجزائريون علم بلدهم الغالي قبيل وأثناء وبعد مباراة في كرة القدم، ويستحون من رفعه وتزيين سياراتهم وشرفات منازلهم به في عيد الاستقلال، الذي مكّنهم من حريتهم ومكّنهم من أن يكون لديهم منتخب يلعب الكرة ويشارك في كأس العالم. ومن الملفت أن وطيس الكرة حمى في شهر نوفمبر الماضي خلال مباراتي القاهرة والخرطوم، اللتين لعبتا في شهر الثورة، وما تبعهما من أحداث وأيضا من فرح، وازداد حمّى مع منافسة كأس العالم التي تزامنت مع الاستعداد للاحتفال بالذكرى الثامنة والأربعين للاستقلال. الجزائريون وقفوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وهم يقرأون بأصوات جهورية نشيد القسم الخالد في ملاعب جنوب إفريقيا، ويشعرون بالفخر وهم يتنافسون في إخاطة أكبر أعلام الدنيا، ويلوّنون وجوههم وقلوبهم بألوان الوطن، والجزائريون مفروض عليهم أن يقفوا الآن كالجسد الواحد من أجل أن يبنوا وطنهم ويقدّروا نعمة الحرية التي أشرقت في شهر جويلية، منذ قرابة النصف قرن، حقَّ قدرها، وألا يختصروا وطنيتهم في منتخب كرة، لأنه حتى وإن عاد إليهم بكأس العالم فإنه لن يحقق لهم الاكتفاء الغذائي الذاتي، ولن يخرجهم من التخلف الذي أراده لنا الاستعمار القديم، ويصرّ على أن نبقى فيه الاستعمار الحديث. نعود ونسأل لماذا لا يحتفل الجزائريون بعيد استقلالهم كما يبتهجون بانتصارات الكرة؟ ونطرح هذا السؤال المحرج على الوزراء المتقاعدين أو الولاة السابقين ورؤساء البلديات الذين خسروا الانتخابات المحلية، ورجال المال الكبار، وحتى بعض المجاهدين وبعض أبناء الشهداء، الذين اختصروا الثورة والاستقلال في مزايا مادية لم يستشهد لأجلها مليون ونصف مليون شهيد من خيرة أبناء الجزائر. سيناريو الاحتفال بذكرى الاستقلال يكاد يتكرر صورة طبق الأصل في كل خامس من جويلية، حيث تخرج السلطات المحلية في كل ولاية إلى مقبرة الشهداء، تتلو سورة الفاتحة وترفع العلم وتستمع إلى النشيد الوطني، ويكرر الأبطال هذا السيناريو كصورة طبق الأصل، وهم المسؤولون الحاليون والأعضاء ورئيس القسمة الحالي، في غياب المسؤولين السابقين والمستقبليين اللاحقين، والأمرّ والأخطر هو غياب عامة المواطنين الذين مازلنا نحلم بأن يرفعوا أعلام وطنهم في مثل هذه المناسبات، وأن يزوروا مقبرة الشهداء ليترحموا بعيدا عن عدسات الكاميرا على الذين منحونا نعمة الحرية ومتعة الاحتفال بانتصارات الكرة، لأن الاحتفال بالاستقلال وحب الوطن ليس مهمة بروتوكولية تبدأ منذ جلوس المسؤول على الكرسي وتنتهي صلاحيتها مع تجريده من المسؤولية، ولا نقول تخلّيه عنها. لقد مرّ قرابة نصف قرن عن استقلال الجزائر، ومازالت مظاهر رفع الأعلام والنشيد الخالد ومظاهر الحب الجنوني للوطن مرتبطة بأيام الكرة فقط،.. ونعود لنسأل لماذا لا نحتفل هذا الإثنين من دون أي خجل بعيد الاستقلال؟؛ قديما قالها العربي بن مهيدي "ارموا الثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"، وحان الوقت لنرمي الاستقلال إلى الشارع أيضا ليحتضنه الشعب.