وقفت أمام كشكه ككل مرّة لأبتاع منه صحف الصباح، اكتشف متأخرا فقط مثلما قال بأني أنتمي إلى المهنة الوحيدة في هذا البلد التي أهدر أهلها أخلاقياتها، ونتيجة لذلك صار يستوقفني باستمرار ليتحدث إليّ عن أي شيء وفي كل شيء.. في كل مرّة أفرّ منه عندما يكثر الزبائن أو يلتقط نفسا مستقطعا..غير أنه هذا الصباح شذّ عن القاعدة ولم يتكلّم وبدت سماؤه ملبّدة بالحزن.. بادرته بالسؤال عنه فقال لي: مات الطاهر..! قدّمتُ له العزاء فيّ لأنه كان لعدة أشهر يعتقد أني "الطاهر"..! راح يقول لي: كان يشبهك في كل شيء إلاّ في مهنتك، فقد كان رحمه الله عاملا بسيطا.. نظرتُ إليه مليا وقلت له كأني أمام محراب شهادة: ما من فارق بيني وبينه..ربما كان أفضل مني إنسانية..؟ لم يدرك تماما مقصدي فرحتُ أؤكد: لستُ أفضل منه إذ أنا كاتب أو مدير أو وزير..ربما كان أفضل هؤلاء بإنسانيته..بحبّه للناس وخدمته لهم..ذاك ما يرفعه إلى ربي وربك وربّ الناس جميعا.. خرجتُ أحمل صحفي ولا أنتظر صوتا يرتفع بعدما مللنا من أصوات النفاق والتزلّف في مجتمع يحفل بكل شيء إلاّ إنسانية الإنسان.. "يا أيها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك.." قرآن كريم