يواصل الأرسيدي حملته من الخارج ضد الرئيس بوتفليقة ونظام الحكم وحتى ضد الأفلان، فخلال كلمة ألقاها أول أمس الأحد بباريس أمام المشاركين في الندوة حول المعارضة في العالم التي نظمها "الخضر الأوربيون"، كرر سعيد سعدي الحديث عن تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مستنجدا بالدول الأوربية وما أسماه بالمجتمع الدولي لممارسة المزيد من الضغط على الجزائر. وكعادته انطلق زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من "خرافة" أن مكاسب الديمقراطية في الجزائر هي خلاصة نضال تشكيلته السياسية ومن لف لفها في المعارضة،خاصة لما زعم بأن من اسماهم بالديمقراطيين "واجهوا عنف الأصوليين واستبداد السلطة وعدم تفهم الرأي العام الغربي"، مضيفا في نفس السياق "وبفضل نضالنا حافظت الجزائر على وجودها في مسار التاريخ"، ومثل هذا الخطاب كرره سعدي عدة مرات، وهو ينطلق من نظرة احتقارية واقصائية يمارسها بشكل مفضوح ضد كل القوى السياسية وغير السياسية التي ساهمت في التحول الديمقراطي، إلا إذا كان زعيم الأرسيدي لا يرى الديمقراطية إلا ضمن مجال أطروحاته الشاذة التي تغرف من فكر غريب غارق في الاستبداد والديكتاتورية. لقد استغل سعدي المناسبة لاتهام السلطة بخرق الدستور، واصفا نتيجة الرئاسيات الأخيرة بالحصيلة الستالينية، مؤكدا بأن ما حصل من شأنه أن يعمق الانحراف وينقلنا من حالة أزمة سياسية إلى حالة المأزق التاريخي، مضيفا بأن المجتمع الدولي له مسؤولية في هذه الوضعية، وحاول من جهة أخرى تسويد الوضعية من خلال الربط بين الوضع السياسي الذي انتقده بشدة وبين ظاهرة العنف التي يقع الشباب ضحية لها، فضلا عن الهجرة السرية واضطرار الكفاءات إلى اختيار طريق المنفى. واتهم سعدي بوتفليقة بالوقوف وراء الانقلابات ضد إرادة الشعب التي حرمت الجزائريين حسب زعمه من اختيار ممثليهم بكل حرية، وحتى يقنع بمسعاه ادعى سعدي بأن مشكل الشرعية سوف ينجم عنه وضعا مضطربا سوف يؤثر على الوضع حتى في منطقة الساحل الإفريقي وحوض المتوسط، مجددا مطلبه بضرورة أن يرافق الأوربيون العمليات الانتخابية في الجزائر مستقبلا. لقد أعاد سعدي تكرار عبارة أن الجزائر واقعة بين نظام الأفلان وعنف الأصوليين، وهذا يقودنا حتما إلى نفض الغبار عن هذا الحزب وخطابه السياسي و"شطحاته" المعروف في حضن السلطة أو فيما يسمى بالمعارضة، فالأرسيدي، لمن نسي أو تناسى مساره الحافل بالتناقضات الصارخة وتقلباته الغامضة، بدأ النضال من منطلقات جهوية عشائرية وحتى عنصرية، وولد بشكل منافي للدستور الذي يتهم اليوم السلطة بخرقه، وما يسميه سعدي بالنضال الذي حافظ على الجزائر وساهم في الانجازات الديمقراطية المحققة كان عبارة عن عنف لفظي وإيديولوجي لم يمارسه فقط ضد منافسيه في حلبة السياسية، بل مارسه على السواد الأعظم من الجزائريين أيضا، فهذا الحزب الذي يقتات من فتاة موائد الغرب ويكرر أطروحاتهم الشاذة له ضلع في المأساة السوداء التي عاشتها الجزائر والتي لا تزال تكابد مخلفاتها القاتلة، والعنف الذي يمارسه الأصوليون ساهم الأرسيدي في تغذيته من خلال خطاب لا يقل عنفا حتى وإن لبس عباءة حماية الجمهورية. ما يقوم به سعدي داخليا وخارجيا هو استكمال لمشروع يهدف من خلاله إلى التموقع من جديد،فهذا الحزب الذي خرج خائبا من السلطة بعدما ألف حضنها، وانصرف مذعورا من دوامة العروش، وفشل في كل محاولاته للتقرب من غريمه الأفافاس الذي اتهمه بالعمالة للسلطة ورفض مجرد التفكير في مشاركته حلم تشكيل "قطب ديمقراطي"، يحاول تلميع صورته ولو عبر تلفيق التهم وتزوير الحقائق والتغني بالديمقراطية التي يفتقدها بين صفوفه، ولعل التصريحات التي أطلقها بعض القياديين في الحزب المتمردين على سعدي على غرار فرج الله ولوناوسي مؤخرا هي أكبر دليل على أن سعدي يمثل أبشع صور الديكتاتورية بعدما ظل جاثما على صدر الحزب مدة عشرين سنة. b فالاستجداء بأوربا وأمريكا تحول إلى ديدن الأرسيدي، وأضحى عنوانا لكل نشاطاته السياسية تقريبا، ومحاولة تشويه صورة الجزائر من خلال الحديث عن العنف الإرهابي وكأن الجزائر تحولت إلى أفغانستان أو العراق أو الصومال، هي مجرد أدوات يستعملها هذا الحزب لاستعطاف الغرب وتقديم نفسه بديلا، وهكذا أصبح الأرسيدي يعرض خدماته جهارا نهارا على من يدفع أكثر وتبني الأطروحات التي تسوقها بعض القوى الغربية بخصوص الخطر القادم من الساحل الإفريقي في إشارة لما يسمى بتهديد "القاعدة" يعطي صورة واضحة عن نوع المهمة التي يريد الأرسيدي تكليف نفسه بها. ويبقى أن نشير إلى أن "نظام الأفلان" الذي يتحدث عنه سعيد سعدي، هو أحسن بكثير، لو فرضنا أنه موجود حقا، من إمبراطورية الورق التي يسعى سعدي إلى بنائها بعد التخلص من السواد الأعظم من الجزائريين الذي رفضوه في جميع الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها منذ بداية التسعينيات.