قبل عشرين سنة كانت الجزائر تصنف مع الدول الغير معنية بتاتا بآفة المخدرات، وخلال السنوات الأخيرة تحولت، حسب الإحصائيات الرسمية، إلى بلد عبور، وتتنبأ بعض الدراسات بأن تصبح، خلال السنوات القليلة المقبلة، بلدا منتجا لهذه السموم. يوميا، تطالعنا الصحف بأخبار عن الكميات المعتبرة من المخدرات بكل أنواعها التي تضبطها أجهزة الأمن في جهات مختلفة من الوطن. الآفة لم يعد انتشارها مقتصرا على المناطق الحدودية بالجهة الغربية للوطن القريبة من مزارع الحشيش بالبلد الجار بل امتدت إلى جهات كانت، إلى عهد قريب، معروفة بخلوها من هذه الآفة. باعتبار أن ما يضبط قد لا يمثل إلا الجزء اليسير من الأطنان التي تعبر من الحدود الغربية للوطن فأن ذلك يعني بكل بساطة أن الوضع أصبح أكثر من خطير لأن توفر هذه المادة وبالشكل المتصور يجعل المتاجرة بها وتوفرها في متناول الجميع. دراسات سابقة أشارت إلى انتشار تناول المخدرات في الوسط المدرسي بشكل ملفت للنظر، مما يعني أن الأمر تجاوز "الاستهلاك المحدود" ليصبح ظاهرة اجتماعية مرضية تتطلب عناية فائقة من طرف كل من يعنيه مصير ومستقبل الجزائر. هناك أطراف عديدة، في الجزائر، معنية بمحاربة آفة المخدرات، لكن أهم هذه الأطراف هي، في رأينا، وسائل الاتصال المختلفة التي بإمكانها توقيف "تمدد" الآفة ومحاصرة انتشارها. بالنسبة للمخدرات، توجد ثلاث فئات معنية بها وهي: تجار المخدرات، المستهلكون والغير مستهلكين. الفئتين الأولى والثانية تدخلان في مجال اهتمام أجهزة الأمن التي عليها البحث عنهما وتقديم أفراد الفئة الأولى للقضاء الذي يجب أن يدعم بقوانين صارمة لا رحمة فيها تجاه هذه الفئة، أما أفراد الفئة الثانية فيجب معالجتهم ووضعهم تحت الرقابة للتأكد من شفائهم التام من آثار التناول. أفراد الفئة الثالثة هم الأهم في العملية. إنهم كل أولائك الذين لم يتناولوا المخدرات ولم يقتربوا منها، وهم لازالوا يشكلون الأغلبية في المجتمع. أفراد هذه الفئة، خاصة المراهقين والشباب منهم، يتطلبون عناية فائقة من خلال توعيتهم بالأخطار المدمرة لآفة المخدرات. التوعية تكون من خلال حملات إعلامية، موجهة لجمهور الشباب وبالتنسيق بين وزارة الاتصال والثقافة والشؤون الدينية والتلفزيون والإذاعات والصحافة المكتوبة ودور النشر. كل فكرة أو رسالة، أو حتى عقيدة، لا تنتشر ولا تحقق التأثير المنتظر منها دون اتصال. إذا كان الاتصال يعني التأثير، فأن ذلك لا يتحقق، بالنسبة للقضايا التي تهم شرائح واسعة من المجتمع، دون وضع إستراتيجية واضحة المعالم. الإستراتيجية يجب أن توضع من طرف خبراء ومختصين في مجالات الاتصال وعلم النفس والاجتماع، ولا بد أن تحتوي، إضافة للعناصر الأساسية والتي هي: الرسالة والوسيلة والفاعلين، النقاط التالية: صورة عن حالة المخدرات بالجزائر (الإنتاج، المصدر، التسويق، الثمن، الكميات المسوقة، الفئات المستهلكة، الحالة الاجتماعية للمستهلكين....)، آراء المختصين في طرق وأساليب المحاربة. بالجزائر اليوم أربعة قطاعات رئيسة يمكنها المساهمة بفعالية في تنفيذ كل استراتيجية تهدف إلى محاصرة رقعة استهلاك المخدرات، هذه القطاعات هي: المدرسة أولا، بإعلام أطفال المدارس من خلال خطاب واضح بأخطار المخدرات مما يدفعهم إلى تجنب الاستهلاك وحماية أنفسهم. المسجد ثانيا، فهو أكبر وأهم مجال اتصال بالجزائر لو تعدل خطبه من حيث المحتوى الذي يوجه نحو العناية بالآفات وأخطارها على المجتمع المسلم ومن حيث اللغة بتبسيطها وتجنب السجع والبلاغة والجمل الجاهزة. التلفزيون ثالثا، لأنه لا زال، بالنسبة للجزائر، من أكثر وسائل الاتصال تأثيرا، فهو يستطيع أن يساهم في تنفيذ الإستراتيجية الاتصالية من خلال إنجاز وبث الأفلام الوثائقية وتحويل بلاطوهاته إلى مجالات للنقاش والحوار وتدخل المختصين للحديث حول آفة المخدرات. مراكز البحث رابعا، والتي يجب أن تنشأ وبكثرة وتكون مهمتها تزويد العاملين على تنفيذ الإستراتيجية الاتصالية بنتائج الدراسات التي تقوم بها والتي يجب أن تمس كل المجالات المتعلقة بالمخدرات (التسويق, السعر، الأنواع المسوقة، الأخطار الصحية، عدد المستهلكين، السن، الوضع الاجتماعي للمستهلكين...) كما تضمن ما يمكن تسميته باليقظة النشطة La veille active . إضافة لهذه القطاعات الأربعة، هناك الشارع الذي هو المجال الحر الذي يلتقي فيه كل الناس ومن مختلف الفئات. هذا المجال يمكن أن يستغل من خلال اللافتات، الصور العملاقة لحالة الدمار التي يكون عليها المستهلك، عربات تجوب الشوارع عارضة المطويات والكتيبات التي تبرز أخطار التعاطي.... هذه وجهة نظر بسيطة في كيفية محاصرة آفة تعاطي المخدرات. لا بد من التحرك في الاتجاه الصحيح حتى لا يتحول الشعب الجزائري إلى مجرد شعب مزطول