رغم اعترافه بصعوبة المأمورية وبحجم العراقيل التي تعترض جبهة البوليساريو في تحقيق الهدف الأسمى الذي تأسّست من أجله وهو تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، إلا أن سفير الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في الجزائر أكثر من مقتنع بأن استقلال الشعب الصحراوي بات واقعا وحقيقة لا يمكن للمملكة المغربية القفز فوقها، ولذلك أكد أنه مهما كانت التنازلات التي ستقدّم فإن حق تقرير المصير غير قابل للمساومة. لم يتوقّف السفير إبراهيم غالي لدى نزوله أمس ضيفا على الندوة الدورية التي تنظمها "صوت الأحرار"، في نقطة واحدة فقد عاد إلى مختلف الجوانب التي تتصل بالقضية الصحراوية انطلاقا من التضحيات التي قدّمها الصحراويون والتي لا يزالون يقدّمونها، وكذا الموقف الثابت للجزائر الداعم لقضايا التحرّر بالإضافة إلى التواطؤ الذي تبديه بعض القوى الكبرى حيال هذه القضية ودعم الموقف المغربي مثلما هو الحال تحديدا بالنسبة إلى فرنسا وإسبانيا. السفير الصحراوي الذي تحدّث زهاء الساعتين أجاب عن العديد من التساؤلات المتشعّبة وقال في مجمل ما قاله بأن الطريق نحو تقرير المصير ليس بالأمر اليسير ولكن ذلك ليس بالمهمة المستحيلة، والأهم في كل ما جاء على لسان غالي أن مسألة الاستقلال والوصول إلى الحل العادل المتمثل في قيام الدولة الصحراوية وخروج المحتل من أراضيها يعتبر من الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها أو المساومة بها، مشيرا إلى أن الصحراويين مستعدّون للذهاب بعيدا من أجل تحقيق هذا المكسب. وقد تحّدث السفير عن المبعوث الأممي الجديد إلى الصحراء الغربية وقال إن أولى المؤشرات توحي بأنه يريد فعلا التوفيق في وجهات النظر وتقريبها من أجل الوصول إلى الحل المأمول، لكنه في المقابل انتقد التماطل المغربي والتواطؤ الأجنبي في التعامل مع القضية الصحراوية وبخاصة موقف باريس وإسبانيا التي اتهمها بالازدواجية كما هو الحال كذلك لبعض البلدان العربية التي أبدت موقفا سلبيا من هذه القضية، متحدثا في هذا الشأن أيضا عن تحدّي بناء المغرب العربي الذي قال بأن الجميع يعرف من يقف حائلا دون تجسيده خصوصا لدى إشارته إلى الذرائع الواهية التي تلجأ إليها المملكة المغربية لتبرير انتهاكاتها وتناقضاتها. وإن تراوحت إجابات سفير الجمهورية العربية الصحراوية بين التفاؤل والتشاؤم والترقّب، فإنه لم يتوان في الكشف عن العزيمة التي تنتاب الشعب الصحراوي تجاه قضيتهم منذ تكريس الاحتلال في العام 1975، وقد ظهر هذا الموقف المتفائل في كل مرة يتحدّث فيها غالي عن المسيرة النضالية الطويلة والمستمر من أجل تقرير المصير، والدليل أيضا أن المغرب رغم كل محاولاته الابتزازية وكل مبادرات المساومة لم ينجح في ثبط عزيمة الصحراويين الذين لا يزالون يحلمون بالعيش تحت مظلة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بحدود واضحة رافضين بذلك كل الاستفزازات بما في ذلك كذبة الحكم الذاتي. وبالمنظور الذي قدّمه السفير إبراهيم غالي فإنه لا يمكن الوصول إلى حل نهائي إلا إذا كانت هناك إرادة حقيقية لدى المغرب من أجل تكريس مبادئ الأمم المتحدّة ومواثيقها مثلما هم الحال بالنسبة لقرارات مجلس الأمن التي توصي بضرورة تقرير المصير، أما غير هذا فإنه يعرّض المنطقة إلى أخطار محدّقة خاصة أمام إصرار البوليساريو على العودة من جديد إلى حمل السلاح إذا ما اقتضى الأمر ذلك، مقدّرا أن مثل هذا الخيار ليس ببعيد بعد أن بدأ صبر الصحراويين ينفد لأنهم لم يعد بمقدورهم احتمال مزيد من المناورات والمماطلات. كما عاد بنا غالي إلى الممارسات التي طالت الجزائر في مرحلة الأزمة عندما أقدمت المملكة المغربية على غلق الحدود وفرض التأشيرة على الجزائريين وتهريبها للمخدرات ودعمها للجماعات الإرهابية، دون أن يغفل الاتهامات غير المنقطعة التي تطلقها والتي طالت حتى الجيش الجزائري، وكل هذا ليس سوى دليل إدانة إضافي بأن المغرب لا يريد أن يعترف بالشرعية.