النقاش السياسي الذي فتحته جبهة التحرير الوطني تحت عنوان ''خصائص ومميزات الأفالان.. جذور المرجعية ورهانات المستقبل'' يمثل سابقة في الحياة السياسية في الجزائر، فقد كان موضوع المرجعية أحد أهم القضايا المهملة في العمل السياسي الجزائري، وطيلة سنوات الاستقلال لم يفتح أي نقاش سياسي جاد حول مسألة المرجعية، وقد تولت السلطة دائما إملاء الخط السياسي وفرضه دون أن تشعر بأي حاجة للإقناع، وقد كانت العبارة الشهيرة "خيار لا رجعة فيه" تختزل كل أشكال الانغلاق الفكري وتعطيل العقل. جاءت التعددية ولم تغير في الأمر الشيء الكثير، فقد تقاسمت كل الأحزاب السياسية تبني بيان أول نوفمبر والدفاع عن ثوابت الأمة، والذين رفعوا عناوين الاشتراكية أو الديمقراطية أو الإسلام وجدوا أنفسهم يدافعون عن نفس الأفكار لأنهم لم يقدموا تصورا مفصلا وفضلوا رفع العناوين الكبرى والخوض في السياسة كصراع من أجل السلطة بالمفهوم الضيق، ومن هنا لم يكن غريبا أن تظهر بعض التحالفات الشاذة التي تجمع المتناقضات بشكل محير، وقد هيمن قادة الأحزاب على الوضع وتصرفوا كبيروقراطيين، وأغلقوا أبواب النقاش السياسي الجاد بما جعل الأحزاب تلفظ كل الأشخاص المؤهلين لطرح أفكار سياسية واضحة وصياغة مرجعية تجعل كل حزب يختار موقعه ويتحالف مع من هم أقرب إليه إيديولوجيا، وبالنتيجة أصبحت الأحزاب عندنا لا تملك برامج، وكل ما تقدمه هو بعض الاقتراحات للمناسبات الانتخابية والتي تكون مثيرة للسخرية والشفقة في كثير من الأحيان. من الشجاعة السياسية أن نسمع مناضلين في الأفلان يطالبون صراحة بالتخلي عن التغني بالأمجاد الثورية، وعن استعمال ذلك الإرث التاريخي والالتفات بدلا عن ذلك إلى صياغة مرجعية سياسية وتاريخية، وإلى الانتشار في أوساط الشباب من أجل مزيد من الارتباط بالمجتمع، ومثلما استطاع الأفلان أن يتكيف مع الوضع الذي استجد مع التعددية السياسية، فإنه اليوم يقوم بدور رائد في تحويل العمل السياسي إلى منتج للأفكار السياسية والبرامج وهي منافسة نحن في أشد الحاجة إليها من أجل الوصول إلى تقديم البدائل التي تعزز وحدة البلد وتسير به قدما نحو الاستقرار والازدهار.