سألت مسؤول جريدة أسبوعية عن سبب امتناعه عن إنشاء موقع إلكتروني لجريدته عبر الأنترنيت، فأجابني قائلا :"إذا أصبح للجريدة موقعا إلكترونيا فإنها لن تباع في الأكشاك، حيث أن القراء يتجهون لقراءتها عبر الأنترنيت". لقد فكر هذا المسؤول بمنطق يعتقد أنه تجاري بحت. فالموقع يساوي بالنسبة له خسارة مادية، حيث يعتقد أن القراء سيعزفون عن شراء الجريدة وبالتالي يمتنعون عن شرائها من الأكشاك ويتوجهون بالمقابل إلى "السيبر كافي" العمومية للإطلاع عليها بالمجان أو بتكلفة أقل من ثمنها. وبعملية حسابية، فإن ثمن الأسبوعية في الجزائر هو في المعدل 20 دج وإذا افترضنا أن القارئ استفاد من الأنترنيت دون مقابل، سواء عن طريق مركز أو ناد ثقافي أو علمي أوبواسطة جهازه في العمل أو غيرها، فإن نسبة قراءة الجريدة ستقل وبالتالي تنقص مبيعاتها، لكن هل هذه المعادلة صحيحة ؟ أولا، ليس لكل القراء القدرة على الاطلاع على الانترنيت لظروف مالية تتعلق بالقدرة الشرائية، فثمن الجريدة أقل من سعر الأنترنيت. وثانيا، فإن الأنترنيت مازال محدودا في بلادنا، حيث تقدر بعض الدراسات منها دراسة قام بها الدكتور محمد لعقاب، أحد المختصين في التكنولوجيات الحديثة وعلوم الإعلام والاتصال في عام 2000، عدد مستعملي الشبكة الكوكبية ب 2 مليون مستعمل،ولو فرضنا أن عددهم يبلغ الآن 3 ملايين فانه يبقى قليلا مقارنة مع عدد المستعملين في الدول الأخرى،ومقارنة مع التخوفات والهواجس التي يطرحها الناشرون. وثالثا، فإن أعلى سحب للأسبوعيات الشاملة في الجزائر لايتجاوز 30 ألف نسخة في الأسبوع للأسبوعية الواحدة حسب إحصائيات وزارة الاتصال نشرت عام 2006 ،وبالتالي لايمكن الاعتماد على المبيعات لتغطية النفقات. وهذا ما يتطلب البحث عن مصادر أخرى للتمويل من بينها الإشهار، لكن المعلنين لايفضلون الأسبوعيات. والواقع أن الدوريات عندنا التي يبلغ عددها 61 دورية بما فيها الملاحق التابعة لليوميات، حسب نفس الإحصائيات، تتميز بقلة السحب. والسبب لا يرجع الى إنشائها أو عدم إنشائها لمواقع الكترونية، بل لعوامل أخرى، منها سوء شبكة التوزيع بدرجة كبيرة. والواقع أن جرائدنا سواء الأسبوعية أو اليومية التي لا تتوفر على مواقع الكترونية لا تخشى انخفاض عدد السحب بقدر ما تتفادى افتضاح أمرها إذا دخلت في الشبكة. فهذه الجرائد تقوم بالقرصنة المفضوحة للمقالات والصور التي تنشرها دون إذن أو ترخيص من أصحابها، حيث أنها لاتحترم الملكية الفكرية ولاتعير أي اهتمام لأخلاقيات المهنة الصحفية، فهناك جرائد تأخذ نسبة 99 بالمائة من المادة المنشورة في صفحاتها من الانترنيت. وإذا تم اكتشاف هذا الأمر خارج البلاد، فإن أصحاب الحقوق المحفوظة سيرفعون قضايا في المحاكم ويطالبون بتعويضات مالية وهو الشيء الذي يسبب حرجا كبيرا للناشرين و قد يقضي نهائيا على نشاطهم. وبالتالي، فإن مقولة أن الموقع الإلكتروني يقلص حجم سحب الجريدة غير صحيحة، بل أنها مقولة لا تتماشى مع الواقع التكنولوجي الجديد للتدليل على ذلك يمكن استعمال جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية كمثال، فبعد أن وجدت هذه اليومية المشهورة أنها تخسر بين 10 و30 بالمائة من قرائها سنويا، لم تفكر في غلق موقعها الالكتروني، بل أنها اتجهت إلى تطويره وتحسينه رغم أنه من أحسن المواقع في العالم وهي العملية التي كلفتها 100مليون دولار ولكنها بالمقابل ساهمت في رفع غدد سحبها، فالموقع الالكتروني للجريدة مهم وهو الواجهة الإعلامية والدعائية لها في عصر التكنولوجيات الحديثة. وهذا ماينبغي للجزائريين أن يتأقلموا معه، فالعالم أصبح قرية صغيرة كما يقول علماء الاتصال والجريدة ليست كشكا فقط كما يعتقد البعض. آخر الإحصائيات تشير إلى أن العالم الغربي يتلقى أخباره عن طريق الانترنيت، وفي عالمنا العربي فإن هذا السلوك بدأ يلج إلى عاداتنا. فقد أكد لي أحد الوزراء أنه كان يطلع على آخر مستجدات محاكمة الخليفة التي تنشرها الجرائد في مواقعها عبر الأنترنيت مباشرة بعد "البوكلاج" في حدود الساعة العاشرة ليلا ولا يصبر حتى تعرض في الأكشاك في الصباح. ولا يبدو الموضوع حكرا على البعض فقط، بل أن استعمال الأنترنيت بدأ ينتشر وقد شمل بصورة واضحة أصحاب الدخل المتوسط. ولا تقتصر أهمية الموقع في السبق الصحفي الذي توفره للجريدة، بل إنها تشمل الدعاية لها في كامل أرجاء العالم، والحال يبدو مهما بالنسبة للجرائد الجزائرية التي لا تسوق إلى خارج الوطن. وهذا الشيء بدأت تتفطن له بعض يومياتنا التي يبلغ عددها، حسب أرقام وزارة الاتصال 38 يومية وأصبحت تتنافس فيما بينها في تطوير المواقع الإلكترونية وتحسينها وتزويدها بالأخبار الحصرية والمهمة التي تتمكن من الحصول عليها. ولكن رغم هذا فإن هذه المواقع مازالت لم ترق إلى مستوى ما وصلت إليه مواقع كبريات الجرائد العالمية التي جعلت من المواقع امتدادا للجرائد. فالإعلام الالكتروني مازال عندنا في بداية الطريق. والجزائر لم تشهد حتى الآن ميلاد أي جريدة إلكترونية. وعلى كل حال، فإن الصحافة الالكترونية بدأت تطغى على الصحافة الورقية وهناك نظرتان وقد احتد النقاش في الأيام الأخيرة بين أنصار الصحافة الالكترونية والمدافعين عن الصحافة المطبوعة بمناسبة صدور كتاب بعنوان "الصحافة المختفية" للأمريكي فليب ميلر وهو أستاذ في الدراسات الإعلامية والذي يقول فيه أن آخر نسخة من الجرائد ستكون في عام 2040، حيث سيعزف القراء على تداولها. وبالمقابل، يرى المدافعون عن الصحافة المكتوبة أنها تحتاج الى تطوير ذاتها بما يتلاءم مع متطلبات العصر، وهذا ما سيكون قريبا، حيث أن التاريخ لم يشهد أن وسيلة إعلامية ألغت الأخرى وقد حدث هذا مع الصحافة المكتوبة ومع الاذاعة والتلفزيون. ولكن يبقى تطوير الصحافة المكتوبة لنفسها شرطا ضروريا لبقائها أمام الكمبيوتر ومنذ أشهر قليلة شارك أكثر من 500 مصمم في مؤتمر دولي كان موضوعه يدور حول تبادل التجارب والخبرات حول كيفية جعل الأنترنيت يخدم الصحافة والبحث مازال جاريا من أجل ذلك.