"..لن يذوق طعم الحياة من لم يتنفس هواء الجبال.." من أول قطرة في "بئر" تشعر أنك مشدود في عالم "سيد الصحراء"..حيث كل القيم الجميلة وأحيانا الغريبة وأحيانا المثيرة للتساؤل، كالطقوس الوثنية والسحر والشعوذة ..مشدود بسرد الأديب المميز وروح الصحراء ورائحتها التي تنبعث من خلال الكلمات ..هي طقوس يصنعها إبداعيا الروائي الليبي الكبير إبراهيم الكوني في أدب الكوني نشعر بنفس بشرية تبحث عن الحكمة والأسرار .. وكان اكتشاف هذا الكاتب بالنسبة لي سر الأسرار .. الصمت هو السر أيضا ونسغ الحياة؛ كما يرى الكوني والصمت هو التجسيد وإن بصورة سلبية لعالم الأسرار وكل محاولة للكشف هي في النهاية أكثر من مستحيلة، إنها انتهاك لقدسية عالم الأسرار هذا.. في روايات الكوني لا تجد التشخيص واقعاً بل أسطورة أو واقعاً مؤسطرا. في هذه الروايات يمتزج العقلي باللاعقلي، ويختلط الطبيعي بما فوق الطبيعة ويلتبس الممكن باللاممكن؛ إذ يهدم السارد الحدّ الفاصل بين الإنساني واللاإنساني وبين البشري والحيواني وبين العقلاني واللاعقلاني ليؤسس عالم الأسطورة الذي يسعى إلى تشخيصه في هذه الأعمال الروائية التي أوقعتها الصدفة بين يدي. السؤالٌ يطرح نفسه، وأنت تتابع كتابات "إبراهيم الكوني": لماذا تبهرك؟ لن تكون الصحراء جواباً شافياً، كونها ميزت نصه، حتى سمي لها أدباً وكتابةً، كما البحر والمدينة في حَوَريها وأزقتها، وبيدين مجردتين لن نكتب شيئاً عن السماء. سأجد الكثير ممن يؤيدون فكرة الصحراء تميزاً في كتابات "الكوني"، لكن الصورة التي نعرفها للصحراء هي ذاتها ولم تتغير، ولم تكن الصحراء لتكتسب هذه الميزة، لولا القيمة التي يتلمسها القارئ في حكاياته الصغيرة، وأساطيره التي لم يعمل "الكوني" على منح شخوصها قدرات خارقة فقط بل قربها حد التوجّد.. إن الكوني وهو يقدم لنا الصحراء، لا يقدم لنا بقعة جافة، إنما بقعة غنية، بما يخلقه مجتمعها فيها من حياه، فيتحول عسفها إلى قدر، واستمرار ساكنيها وصبرهم إلى صلاة، وهي لن تمحي دروبهم، فآثارهم لا بد لها أن تعود الرحلة الرحلة.. روايات الكوني "ياسادة ياكرام"، روايات بطعم الشاي وملمس رمل الصحراء، فلا تعطّلوا الزيارة..