رغم هذا ظل يعتبرها الكثير لباسا للقرويين والبدو وابتعدوا عن ارتدائها سنوات عديدة مضت، وراحوا يجرون وراء الألبسة المستوردة من الخارج، والتي تحمل ثقافة وتقاليد الأوروبيين• وقلّ نسجها بالبوادي والأرياف وشارفت صناعتها على الانقراض من الأرياف، ولم يعد بمقدور البدوي الحصول عليها أمام تواجد وتنامي ''البالات'' الواردة من الخارج ''الشيفون''• وتمثل 'القشابية'، وهي لباس تقليدي شهير في الجزائر مصنوع من الوبر والصوف، قيمة عالية في منظور عدد كبير من أبناء ولاية فالمة الذين يفضّلون ارتداءه ويتفاخرون به، تبعا لجمالية وفعالية القشابة التي يتسلح بها السكان المحليون لمقاومة البرد القارص، خصوصا في الهضاب العليا التي تنزل بها درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى ما دون الصفر• القشابية: أصيلة تواجه الموضة يصمد هذا اللباس التقليدي أمام تغير العادات والألبسة بالمجتمع الجزائري، واحتفظت القشابية بمكانتها وسط مختلف الفئات الاجتماعية، فارضة نفسها كبديل لمختلف أنواع البذلات الشتوية المعروضة في السوق المحلية• ولا يقتصر ارتداء القشابة على فئة أو منطقة معينة بحيث أصبحت تستهوي عددا متزايدا من الأشخاص، ولامست شعبيتها سكان المناطق الحضرية بعدما كانت تقتصر في الماضي على الأرياف حيث توارثتها المد اشر والقرى جيلا عن جيل• ولا يجد الأعيان وكبار الموظفين وكذا مدراء مؤسسات لها وزنها، أي حرج من ارتداء ''القشابة''•• بل بالعكس يعتبرونها علامة خاصة ترمز لأصالة انتمائهم الاجتماعي وتميزهم عن بقية السكان الآخرين، خاصة عندما يتعلق الأمر بأحسن منتوج يباع في السوق• وهناك عدة أنواع من ''القشابيات'' أكثرها رواجا، ذاك الصنف المصنوع من وبر الجمال، والذي يتراوح سعره بين 40 ألف و60 ألف دينار، ويكثر عليه الطلب من طرف فئة خاصة من الزبائن تتمثل في رجال السياسة وأرباب العمل وكذا الوجهاء، وغالبا ما تقدم كهدية إلى عموم الشخصيات تقدير وعرفان• وإلى جانب الصنف المذكور، هناك أنواع أخرى ذات نوعية متوسطة مصنوعة من الصوف وتتراوح أسعارها بين 20 ألف و35 ألف دينار• وعلاوة على أنّ القشابة سمحت بالحفاظ على موروث من التراث القديم، فإنّ هذا اللباس ساهم أيضا في حماية مهنة مهددة بالزوال ولا تزال تمثل مصدر استرزاق بالنسبة لعدد هام من العوائل• شارع أعنونة وباب السوق المكان المفضل لبيع القشاشب ويروي بعض الشيوخ كيف كانت تعرض القشاشب في الساحات والأسواق خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، على غرار شارع أعنونة باب السوق أين يعرض الباعة القادمون من مختلف مناطق الولاية التي كانت وقتها تمتد إلى الحدود التونسية، كل ما جادت به أنامل الحرائر اللواتي يصنعون من الصوف تشكيلات متنوعة من ذات نوعية وجودة• المنسج عنوان المرأة الحرة للغوص في هذا الموضوع أكثر، التقت ''الفجر'' ب خالتي فاطمة، وهي عجوز في السبعين من العمر، التي حدثونا عنها أنها امرأة نسجت العديد من القشاشب في أيام عزها، و ما إن طلبنا منها أن تروي لنا حكاياتها مع النسج وعن الفرق بين نساء الأمس واليوم ضحكت قليلا، ثم قالت يا حسرة على حرائر زمان عندما المرأة منا تتزوج صغيرة لكن كل صبع بحرفة ''المرأة التي ما تعرفش تنسج خطابها قلال'' سألناها كيف ، قالت خالتي فاطمة كان الرجل زمان قبل الذهاب لخطبة امرأة يسأل عنها إذا كانت تتقن النسيج لأن المنسج هو تاج المرأة الحرة، أما في هذا الوقت تغير كل شيء فيه، حيث وجدت نساء جيلكم كل شيء جاهز والحرفة اختفت لتحل مكانها الماكينات• من جهته أكد لنا الحاج الطاهر، وهو شيخ قارب الثمانين من العمر أنه تزوج بفتاة كان عمرها وقت ذاك 14 سنة، لكنها كانت بارعة في النسيج، حيث تنسج في العام سبعة قشاشب حايك، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية الأخرى• المغزل، القرداش والخلالة•• لوازم النسيج رغم أن أصحاب حرفة النسيج التقليدي قد اختفت إلا أن بع جهد كبير استطعنا الوصول إلى منزل العجوز الزهرة المتواجد بأحد الأحياء الشعبية• طرقنا بابها، أين خرج لنا حفيدها، سألناه إن كان باستطاعتنا التحدث قليلا مع الحاجة، فسألنا من نكون فعرفناه بهويتنا• ناداها فما هي إلا لحظات حتى أطلت علينا عجوز بلغت من الكبر عتيا، حاولنا الدخول لمشاهدتها كيف تنسج لكنها أبت، فطلبنا منها أن تحدثنا عن النسيج والأدوات التي تستعمل في ذلك• قالت الخالتي زهرة إن النسيج ليس بالأمر الهين وتمر على عدة مراحل قبل بدء النسيج، فالبداية تكون بغسل الصوف جيدا ثم تسوي بالقرداش وهو عبارة عن خشبتين بذراع بها أسنان حادة من المعدن، ثم بعدها نقوم بغزل الصوف لترسل بعدها إلى المصبغة لإعطائها اللون المطلوب وما إن تأتي الصوف تكون المرأة قد جهزت السداية وهي المنسج الذي تدوم مدة تركيبه أحيانا، يومين لتبدأ النسوة بعدها بالنسيج بواسطة الخلالة، وهي آلة حديدية بها عدة أسنان حادة لدك الصوف• وتستمر هذه العملية لغاية الانتهاء من نسج القشابية أو البرنوس ثم يأخذها الرجل إلى الخياط لخياطتها عندها تكون جاهزة للباس• وعن المدة التي تستغرقها لنسج قشابية، أجابت العجوز الزهرة أن المدة تختلف من امرأة إلى أخرى لكن تتعدى عشرة أيام•