الحلقة 3 كانت الاعترافات المقدمة من طرف أحد مؤسّسي ''الجيا'' من أهم المعطيات التي عززت نجاح حرب القضاء عليها من طرف قوات الجيش كما كشفت عن أسرار داخلية للجماعة الإرهابية بين متشدد ومعتدل ومغرر به وسهلت المعلومات المقدمة من تمكين ما يقارب 5 آلاف إرهابي من تطليق السلاح والانخراط في قانون الرحمة وما بقي منهم دخلوا في هدنة غير معلنة وسلموا أنفسهم في إطار قانون الوئام المدني منهم حتى الفارين للخارج الذين لم تكن لهم نية في الالتحاق بالعمل الإرهابي وكانوا فارين من استدعاءات مصالح الأمن• وبعد أن أشاع رؤوس الإرهاب من خلال جماعات الدّعم أنهم من العناصر الدّاعمة لهم، الأمر الذي وضعهم تحت مراقبة مصالح الأمن وانتهى بفرار أغلبهم وهي الحيلة التي كانت تنتهجها الجماعة الدموية لتعزيز صفوفها بالعناصر الإرهابية؛ بل ووصل الأمر بالجيا إلى أن قامت من أجل توريط متعاطفي ''الفيس'' المحل للالتحاق بها بالتنقل إليهم أو إجبارهم على استلام منشورات تحريضية أو أسلحة ويتم بعدها تبليغ مصالح الأمن والمعني بأنه سيتم القبض عليه وأنه لا خيار له سوى الفرار إلى الجبال والانضمام إلى صفوف الجماعة وكانت اللغة السائدة حينها ''إن كنت من تبحث عنه مصالح الأمن فإن ذلك معناه السجن أو المعتقل أو••• لتصبح معقل الجيا المكان الآمن• جاء في الشريط المسموع حسب اعترافات صاحبه أن ما يسمى ''الجماعة الإسلامية المسلحة'' (الجيا)، بدأت تتجه نحو الإرهاب الهمجي والقتل العشوائي• وذكر في ذات الشريط أنه في إحدى العمليات الإجرامية تلك، أقدم جمال زيتوني على قتل امرأة رفقة ابنتها، وهو الأمر الذي لقي معارضة من طرف بعض ''القادة'' الذين أكدوا له أن هذا العمل يمثله وحده ولا علاقة له إطلاقا بالجماعة، لكن جمال زيتوني برّر فعله الشنيع بما يقول إنه ''السياسة الشرعية''، وهو الذي كان يعتقد امتلاك تلك المرأة لمعلومات حول الجماعة• وكانت هذه الحادثة بداية لظهور الخلافات، خصوصا مع حسان حطاب الذي استهجن مقتل المرأة وابنتها، حيث دخل في محادثات طويلة مع زيتوني وعنتر زوابري• هذا الأخير الذي أصبح يقوم هو الآخر بعمليات قتل عشوائية وسط المدنيين، حيث احتدم الصراع بينهما وبين حسان حطاب الذي خرج عليهم بجماعة جديدة تدعى ''الجماعة السلفية للدعوة والقتال'' بعدما أصبحت آلة ''الجيا'' آلة إجرامية دموية• بعد مقتل جمال زيتوني، تولّى أمر الجماعة عنتر زوابري، هذا الأخير قام بتصفية كل معارضيه، وهنا أمر حسان حطاب جماعته بضرورة قتال عنتر زوابري، والقضاء على جماعته الهمجية• جماعة الملياني كانت وراء تأسيس ''الجيا'' وعاد بنا الشريط المسموع إلى تاريخ تأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة الجيا في أكتوبر 1992 على يد ''عبد الحق علولي'' و''سيد أحمد الحراني'' وفتحي ومنير من حي بلكور الشعبي، إضافة إلى جماعة الملياني العائد عناصرها من الجهاد في أفغانستان، حيث كانوا هم من طرح فكرة الجماعة، وكذا تسميتها من الكتاب والسنة -حسب زعمهم-، فأعجب الملياني بالفكرة وكذا التسمية وسانده في ذلك ''عبد الحق'' الذي طالبه بالاجتهاد في صنع ختم للجماعة• وجرى لقاء بين هذه العناصر حول إمارة الجماعة، بالاستناد إلى ما جاء في الشريط المسموع، حيث تم ترشيح المدعو عبد الحق، نظرا لكونه عسكريا سابقا، وسبق له أن خلف ''محمد علال'' بعد وفاته وتمت الموافقة على ذلك، في ذات الوقت تدخل سيد أحمد الحراني وطالب ''بضرورة البيعة للأمير حسب الكتاب والسنة'' طبعا، وعلى ''كل منخرط في الجماعة فعل ذلك وإبداء الطاعة للأمير''• بعدها، قام سيد أحمد لحراني بصياغة القانون الأساسي للجماعة، ووافقه على ذلك عبد الحق، وكان أول ظهور للجماعة كهيئة جهادية عبر بيانها الأول والموجه للجيش والشرطة وكافة الشعب•وبدأ البيان بالآية ''أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير''، في إشارة من الجماعة الدموية إلى تبنّيها حربا شرسة على قوات الجيش والشرطة والشعب الجزائري•وقامت الجماعة بتبني جميع العمليات وكانت أبرزها العملية التي قام بها الملياني ضد القوات الخاصة والقوات البحرية كرسالة صريحة ضد مصالح الأمن• في تلك الأيام كان الناس يأتون لعبد الحق ويسألونه عن الجماعة وعن تأسيسها وكان سيد أحمد، الضابط الشرعي للجماعة، ملازما له وكان يجيب الناس عن أسئلتهم• وحضر إلى عبد الحق جماعة من الجبهة الإسلامية وعرضوا عليه المعاونة في الخارج وتوفير السلاح، لكن عبد الحق رفض الأمر وأكد أنه منشغل بالأمر الداخلي للجماعة ومن لديه مال عليه تقديمه• وبقي الأشخاص يتوافدون على عبد الحق ويبايعونه، حيث حضر ''عبد الرحيم بن شيحة'' من الغرب لكن عبد الحق لم يثق فيه إلى أن جاء سعد من بلعباس حيث كوّن جماعته هناك وأمده عبد الحق بالسلاح وأمّره على الغرب، وحضرت كذلك جماعة من الشرق كان بينهم أبو طلحة الجنوبي ورضوان هاشير، إضافة إلى جماعة من الصحراء حيث قاموا بمبايعة عبد الحق والانضمام إلى ''الجيا'' التي بدت في أوج قوتها، وكانت تتم اللقاءات الهامة مع عبد الحق في منزل ببراقي• ظهور الخلافات أولى بوادر ضعف الجماعة بعد مدة تم اكتشاف البيت وتمت محاصرته من طرف قوات الأمن وكان بداخله كل من رضوان من القبة وجعفر وفريد وقد حدث اشتباك مع قوات الأمن وتمكّن الثلاثة من الفرار• بعد هذا الحدث لم يعد لعبد الحق أثر واختفى لمدة طويلة ولا يظهر إلا في سرية تامة، وهنا بدأت الخلافات مع جعفر خصوصا بسبب احتجازه للذخيرة، لكن عبد الحق لم يرد أن يتهور وأراد تسوية الأمور بعقلانية، لكنه بدأ يقوم بأعمال انفرادية، مما أثار غضب باقي الجماعة وقادة المناطق الذين طلبوا لقاءه، لكنه فضل ملاقاة جماعة الخارج حيث اتجه إلى المغرب بجواز مزور دون علم أحد حتى تعدّدت الأخبار والإشاعات حول اعتقاله، حيث قيل إن جماعة ملياني هي من غدرت به على لسان رضوان ياشير وصالح من المسيلة وعمار من بوسعادة• لكن جعفر أراد معرفة ما حصل مع جماعة الخارج والتي كانت ممثلة ب ''أبو ليث'' في المشرق و''السودان'' و''أبو فارس'' في أوروبا، هذا الأخير الذي كان يجمع المال ويروّج للجماعة عن طريق الإعلام• بعد توقيف عبد الحق، اتجه الكل نحو جعفر لمعرفته بالناس وتم عقد لقاء حضره كل من ''حمزة الشمالي'' و''محفوظ طاجين'' و''عنتر زوابري'' و''عيسى بن عمار'' و''الحاج فرحات''، حيث طرح موضوع الإمارة ورشّح عيسى بن عمار لأنه أقدمهم وتم تقسيم العاصمة إلى 3 مناطق• في هذا اللقاء بعد 20 يوما أي في أوت ,1993 تم عقد لقاء آخر بالبليدة لضبط الأمور ووضع الخطوط العريضة وعقدت عدة لقاءات أخرى وتم الاتفاق على الخطوط العريضة، حيث تم توزيع السلاح على المناطق الأخرى وتم تكليف الحاج فرحات بالاتصال بشبكة الخارج واستمرت الظروف على حالها إلى أن تم مقتل عمار بن عيسى رفقة اثنين آخرين في كمين وأخذ منه سلاحه• وبعد أن ضربت الجماعة بقوة وفقدت قدرتها على المقاومة، اتجهت نحو الحلقة الأضعف وهي استهداف الأجانب وقتلهم واستهداف الشباب من مؤدي الخدمة الوطنية• وسار جعفر على هذا الدرب، حيث كان ينشط في نواحي البليدة وهو من كان يضع الخطط لاختطاف الأجانب وقتلهم وكذا البيانات التي تطلب منهم مغادرة الجزائر• في وقت جعفر لم تكن هناك لقاءات وإنما اتصالات من بعيد فقط ليأتي اليوم الذي اتصل فيه جعفر بالجماعة و طلب لقاءها في البليدة بحضور كامل الأمراء سنة ,1994 واتجهت الجماعة إلى بوفاريك حيث وجدت في استقبالها عنتر زوابري الذي قادها إلى مكان اللقاء الذي تم بعد 12 يوما من الانتظار لتأتي المفاجأة من جعفر، الذي صرّح بوجود اتصالات عن طريق أحد الأشخاص المعروفين بمدينة المدية والمدعو الشيخ الحسين، مع أحد العسكريين، الذي طالبهم بتوقيف العمل المسلح• لكن هذه الاتصالات لقيت معارضة من طرف أحد القادة الذي قال إن هذا الأمر يختلف عن الشرع وإذا أردنا الاتصال فعلينا الاتصال برئيس الدولة مباشرة، مضيفا أن هذه الاتصالات مع العسكر من هنا وهناك من شأنها تعقيد الأمور، ولم يخرج هذا اللقاء بأي نتيجة ولا قرار• جعفر الأفغاني اتهم رابح كبير بسرقة أموال ''الفيس'' في الخارج وحسب الشريط، بدأت بوادر اندثار ''الجيا'' بسبب الخلافات الواقعة بين قادة الجماعة بين جعفر وأبو عبيدة، الذي قام بعمليات انفرادية، وكذا رابح كبير، الذي اتهمه جعفر بسرقة أموال الخارج إلى حين حلول شهر رمضان المبارك سنة 1994 حين اختفت عمليات ''الجيا'' ونقص نشاطها حتى قتل جعفر واثنين من مرافقيه وبقيت الجماعة بين شد وجذب حول صحة الخبر الذي تأكد بعد فترة• وجرت اتصالات هنا وهناك ليظهر ضعف الجماعة واستهداف رؤوسها الواحد تلو الآخر من طرف الأمن• وتولى الإمارة أبو عبد الله وبقيت الأوضاع راكدة وبقيت كل جماعة في منطقتها من دون أي نشاط وتكثفت الاتصالات من طرف الجيش وعقد لقاء لدراسة الأوضاع لم يحضره الكثيرون من القادة وبدأت تطرح التساؤلات عن عدم مجيء كل الأمراء لتتضح الرؤية أن وقت اندثار الجماعة قد حان• وأصبح ل''الجيا'' أمير عند الفجر وآخر بعد الغروب لتوالي ضربات الجيش وبروز الصراعات بعد مقتل محفوظ طاجين لعمارة من طرف زيتوني وزوابري ثم قتلهما لمحمد السعيد وعبد الرزاق رجام؛ لتبدأ بعدها الانشقاقات من طرف كتائب بن حجر في المدية أو كتيبة الأهوال بإمارة السفاح بن شيحة وكتائب كرطالي في الوسط• ولم يدم الحال طويلا، لتبدأ بوادر انشقاق حسان خطاب وإعلانه تأسيس الجماعة السلفية بعد غدر ''الجيا'' وانحرافها وتقتيلها الجماعي وغيرها من الانتهاكات لما اتفق عليه•