معالم قسنطينة الأثرية على كثرتها واختلاف مدلولها التاريخي والثقافي تعد بمثابة الثروة الحقيقية التي تغنيك عن قراءة الكتب، ويصبح بإمكان أي شخص أن يعايش الحكايات لا أن يسمع عنها• ويعد معلم ''نصب الأموات'' الذي يقع على أعلى صخرة بقسنطينة بمحاذاة المستشفى الجامعي بمنطقة رابح لوصيف، باعتباره أحد أهم هذه المعالم التي نسجت حولها الكثير من الأساطير، ونسبت إليها العديد من الروايات، ويعد أحد الشواهد على ثلاث محطات تاريخية تجبرك على استحضارها متى وقفت أمامها فهي تحكي عن معتقدات الرومان وأموات الحرب العالمية الأولى واحتلال فرنسا للجزائر• فأزمنة الرومانيين بالجزائر تعبر الأذهان عند النظر إلى تمثال النصر الذي يعلو نصب الأموات، لأنه يمثل''إله الانتصار'' عندهم، والذي أخذ عن اليونانيين لأن الرومان ورثة اليونان، حيث كان يعبر عن الإلهة ''نيك'' جالبة الحظ السعيد والانتصار، وكان يحمل في شكل مجسم صغير في مقدمة الجيوش لاستحضار النصر و استجلاب الحظ ، واكتشف هذا المعلم بعاصمة الشرق الجزائري في الفترة الممتدة ما بين 1940و,1944 والذي يدل على إله انتصار الرومانيين، بعد عمليات تنقيب واسعة• وبالحديث عن فترتي الحرب العالمية الأولى والاستعمار الفرنسي للجزائر، فإن ''نصب الأموات'' تم تشييده سنة 1934بقسنطينة على يد الفرنسيين، تخليدا لأرواح جنودهم الذين سقطوا في ساحات المعارك، وثُبّت عليه تمثال النصر، وهو عبارة عن امرأة مجنحة تشبه طائرا خرافيا يتأهب للتحليق تيمنا بمعتقد النصر عند الرومان، ويذهب البعض إلى أن قوس النصر المتواجد بشارع الإليزيه بفرنسا الذي شرع في تشييده بطلب من ''نابوليون'' ودشن سنة ,1836 من طرف ''لوي فيليب''، تم استلهامه من مجسم صغير يعبر عن معتقد النصر في الحضارات القديمة• يتمتع الواقف على ''نصب الأموات''، ببانوراما رائعة عن مدينة قسنطينة، تزداد الغبطة فيها مع العلم بأن الوقوف على سطحه، يمثل منتصف المسافة الموجودة بين الجزائر العاصمة وتونس، تماما كما يقابله تمثال ''مريم العذراء'' الذي يسمى ''سيد السلام''• من المؤكد أن السماع عن مثل هذه الحقائق والمعتقدات يخلق حماسا كبيرا لزيارة هذا المعلم الأثري العريق، إلا أن روعة الماضي تصطدم بمرارة الحاضر، فالجميع محرومون من بلوغه مادام أنه تحول إلى مرتع للممارسات المشينة وملاذا لأهل الانحراف، ولا يمكن لزائره أن يسلم من الاعتداء، كما صار مكانا لإلقاء الفضلات والقاذورات• وأثير موضوع إعادة الاعتبار إليه عدة مرات، دون تسجيل تحركات من طرف القائمين على قطاع السياحة بعاصمة الشرق، حتى إن فصلا طويلا في ملف السياحة الذي تم عرضه في آخر دورة للمجلس الشعبي الولائي، يتناول وضع هذا النصب التذكاري ويحث على ضرورة الاعتناء به وتهيئته، لاستقبال السياح و الزوار الذين لا يزالون يحرمون من متعة الوقوف على شواهد التاريخ•