عن منشورات البرزخ، وبدعم من الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب، التابع لوزارة الثقافة الجزائرية، صدر للكاتب والمفكر الجزائري إبراهيم سعدي ديوانه النثري المعنون ب:( الوطن العربي - نظرات في الثقافة والمجتمع)، وهو كما يعرفه صاحبه ''عدد من الدراسات سبق أن نشرت في بعض المجلات الجزائرية، وهي عبارة عن قراءات لبعض المؤلفات التي تتناول قضايا تشكل مدار الفكر العربي الحديث والمعاصر''· نأمل أن لا ينخدع القارئ بهذه اللغة الروتينية، الإستاتيكية، التي يقدم بها المؤلف أعماله - وخاصة كلمة (وهي عبارة) لأنه يجب قراءة هذا الكتاب بأكمله، والإصغاء لكل زفرات هذه الروح وتململاتها كي ندرك مقدار الخجل ومقدار البساطة والتواضع في هذا التقديم الروتيني لآلام غير روتينية ''التخلف وغياب الحريات والتبعية والعنف، وبروز الإسلام كأهم معطى سياسي مميز للمجتمعات العربية المعاصرة''·· تلك هي شهقات وزفرات هذه الروح المفكرة، ونحتاج هنا إلى التذكير بأن ( الكتابة بالقدم) هي شعار تخريبي من ابتكار الشيطنة النيتشوية - نسبة إلى نيتشه - كتعبير عن الجرأة والإستهانة ومطلق الحرية في الهدم والتدمير، وترذيل كل المقدسات وعلى رأسها فعل الكتابة نفسه· غير أنه في حالة إبراهيم سعدي لا يبلغ الأمر أبدا هذه الحدة الدرامية، ولا يتحاشى المفكر سعدي استعمال يده، إلا حين تعني هذه اليد الكتابة بروتوكولا كتابيا تفرضه الموضة الفكرية وضغوطات الحداثة التي يتملص منها ابراهيم سعدي بمنتهى البساطة· ففي اللحظة التي يبلغ فيها تحليل التخلف أو العنف أو التبعية أقصى مداه، يرغب إبراهيم سعدي في أغماض عينيه والنظر من خلف الجفن المغلق، نقول أغماض العين عن كل الإجابات الجاهزة وكل الكليشيهات التي لا يبدو أنها تمارس عليه أدنى تأثير، مثل:( تفكيك الأزمة والبحث الأركيولوجي، وسبحانه العقل وسبحانه التقدم والطلائعية ومابعد الحداثة··) إنه فقط في ذلك الإغماض الشجاع نفهم معنى محاولة الكتابة بشيء آخر غير اليد، ونفهم أيضا ونقدر حق المبدع في الإرتجال خارج كل نمط معمم، سواء كان حداثيا أو تقليديا، وخارج كل تبسيط إيديولوجي لا تشتعل فيه كل خلايا الروح والفكر والوجدان في مقدمة الصراع ضد الإستلاب والإكراه والعبودية، هكذا يمر ''المشهد العام لمختلف أقطار العالم العربي'' باعتباره ملحمة باطنية لا تتعجل نهاياتها، باعتبار أن الطريق مهما كان شاقا وطويلا لا يقل أهمية عن الهدف نفسه مهما كان ملحا ونبيلا·