تتميز ولاية المدية عن بقية المدن بانتشار الأعين ومنابع المياه الطبيعية، فالمتجول في شوارعها لا يمكنه أن يمر بحنفية أو عين حتى يلقى أخرى أمامه• وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء نجد أن مدينة المدية كانت تعرف بينابيع المياه التي جفّ بعضها، في حين أن البعض الآخر ما زالت مياهها تتدفق إلى يومنا، والدليل على قدمها هو أن قلة من سكان الولاية يعرفون تاريخ حفرها، فهي ضاربة في عمق التاريخ على غرار عين العرايس وعين مكراز (العنصر) وسبع قلالش وعين الشلعلع نسبة إلى المكان المتواجدة به• خاصية الأعين التي تتميز بها مدينة الماء المدية، جعلت سكان القدامى يلتفون حولها، مشكّلين بذلك تجمعات سكانية، وشيئا فشيئا أصبحت مدينة تاريخية ومهد لحضارات تعاقبت عليها على مر الزمن• ولاشك أن هذه الأعين كانت ولوقت غير بعيد ملتقى نساء المدانيات اللاتي كن يجلبن الأغطية والأفرشة لغسلها في فصل الصيف هناك، ما أدى بكثير منهن إلى ربط علاقات وصلت إلى حد تزويج الفتيات في هذه الأعين• لكن هذه العادات اضمحلت نتيجة التطور الحاصل في المجتمع المدايني، وأصبح من المستحيل اليوم أن ترى إمرأة تغسل الأفرشة في مثل هذه الينابيع واكتفت العائلة المدانية بجلب المياه العذبة منها للطبخ والشرب، نظرا لعزوفهم عن مياه سد غريب الذي تتزود منه المدينة• وإلى جانب هذه العيون الطبيعية، عمد العديد من المحسنين بالمدية إلى حفر آبار وإنشاء أعين يتزود منها السكان بالمياه الصالحة للشرب والتي تنسب في كثير من الأحيان إلى ذلك المحسن، كعين بن تركية، ومولاي مصطفى، ومخباط والشرعي وتلمساني وبن دالي والقائمة طويلة• فحق اليوم لزائري مدينة التيتري أن لا يظمأوا حتى ولو كانوا في عز فصل الشتاء، فوفرة الماء بها يميزها عن الكثير من ولايات الوطن، التي يضطر فيها أهلها لاقتناء قارورات المياه المعدنية لإطفاء العطش•