جاءت مبادرة هذا النّص من قبل أربعة من المثقفين الجزائريين البعيدين عن الأحزاب وأيضا عن ما يسمى بالمجتمع المدني الرّسمي. مثقفون تجمعهم فكرة واحدة وهي: المحافظة على الذّاكرة الجماعية والتجسير بين جيلين، جيل نوفمبر وجيلنا نحن؛ ذاكرة الشعب الذي ناضل من أجل استقلال وطنه وذاكرة مثقفين فرنسيين شرفاء ناضلوا مع الشعب الجزائري من أجل استقلال الجزائر فكرا وممارسة أمثال الفيلسوف المناضل فرانسيس جانسن وفرانسوا ماسبيرو وجان سيناك وأندريي مندوز وروبير دافيزي وغيرهم من الذين نسيناهم وتناسيناهم كمجتمع ومؤسسات. هل يعقل أن نستقبل قافلة ونساهم فيها... قافلة تحيي كاتبا مثل ألبير كامو، الذي وضع ما يسميه ب "عنف" الثورة الجزائرية وعنف الكولونيالي في كفة واحدة؟ إنه اللوبي النيوكولونيالي وقوة اختراقه كامو الذي كان يكتب عن جزائر الجزائريين ويقصد بهم الأقدام السوداء وكان ينعتنا ب "العرب" في كتاباته الروائية ومقالاته الصحفية، كامو الذي اعتبره جون بول سارتر بالكاتب الرجعي واعتبره الفيلسوف المناضل فرانسيس جانسون بالخائن للقضايا العادلة والأكثر من ذلك وعندما اتخذت مجلة "لكبريس" موقفا مناصرا للثوّار الجزائريين غادر كامو طاقم تحرير المجلة المذكورة بل وانتقده جان بول سارتر من جديد وانتقده في مجلته الشهرية المشهورة "الأزمنة الحديثة" بمقال شهير كتبه فرانسيس جانسن كلفه به سارتر. بعدها لم يلتق أبدا سارتر بكامو بسبب ما كان يسمى بحرب الجزائر، لأن كامو كان ملتزما أدبيا بالجزائر الفرنسية وسارتر وجانسن وماسبيرو، كانوا ملتزمين فلسفيا فكريا بل وممارسة باستقلال الجزائر. قال لي الأستاذ علي هارون يوما: "صديقنا فرانسيس جانسن حوكم من قبل السلطات الفرنسية غيابيا واستقلت الجزائر وبقي جانسن هاربا مختبئا يعيش في السرية وهو الذي ناضل وكافح من أجل الجزائر بتأسيسه شبكة حملة الحقائب".. وأضاف "كان من المفروض أن نقيم له معلما تذكاريا حفاظا على الذاكرة الجماعية لشهدائنا وشرفاء فرنسا...فرنسا الأخرى... فرنسا الحريات والديمقراطية". نعم يا عمّي علي؛ ولكن ها نحن نشارك لا قدّر الله في تنظيم قافلة لكامو الذي انتقده كل من أحمد طالب الابراهيمي ومالك حداد وكاتب ياسين ومولود معمري ومولود فرعون وأيضا صاحب رواية "العسس" الطاهر جاووت. نعم لقافلة من أجل تكريم جانسن وكل المناضلين في شبكة حملة الحقائب وسوف نقف ضد قافلة العار لتكريم كامو لأنها ببساطة استمرارا لقانون تمجيد الاستعمار.... ألم يطلب يوما الشاعر جون سيناك، الذي ناصر جبهة التحرير، من ألبير كامو مطالبة السلطات الفرنسية بإبطال "الحكم بالإعدام" على عمارة الرشيد ورفض، لأن سيناك كان متعلقا بأستاذه كامو- في بداية الأمر- ورفض هذا الأخير. توضّحُ كتابات كامو ليس فقط أنه رجل "ممزق" (المأزق المشهور بين "نعم" أو "لا") مثلما شدّد على ذلك مرارا أصدقاؤه أو نقاده، ولكن أيضا نصيرا لفكرة الجزائر الفرنسية. هذا ما تؤكده بشكل كاف أفكاره الأخرى. وهكذا، يبدي كامو بمناسبة استقباله عالمة الإثنولوجيا، جيرمان تيليون، في 1 أكتوبر 1957، "خيبة أمله من المستقبل". هذه الخيبة ستزداد مع عودة الجنرال ديغول إلى الحكم (التقاه في 5 مارس 1958 وحدثه عن "مخاطر نشوب اضطرابات في حال فُقدت الجزائر". وبعد أحداث 13 ماي 1958 ... جاء رد فعل كامو في 29 ماي: "حرفتي هي أن أقوم بتأليف كتبي والكفاح حينما تتعرض حرية بني جلدتي وشعبي للتهديد. كان يبدي يوميا أسفه على: "بلدي المفقود" (25 جويلية 1958، "أرضي المفقودة، لن أساوي بعدك شيئا" (29 جويلية 1958، "لقد فات الأوان، دون شك، على الجزائر" (4 أوت 1958). وكما قال مالك حداد في مقاله:"الاحترام الوحيد الذي أدين به لكامو" إلى "إزالة الستار السحري عن أسطورة قد تحاول أن تقدم هذا الكاتب على أنه أحد مهندسي الفكر المضاد للاستعمار، وواحد ممن خدموا الجزائر". كامو ومأساة منطقة القبائل قبل 1962 يقولون إن كامو كتب عن مأساة القبائل....نعم كتب ذلك ولكن من أجل محاولة سحب البساط من تحت أقدام الشعب المجاهد. والأكيد أن القارئ الحذر "لمأساة القبائل" يتأكد من أن كامو كان يعمل من أجل "عقلنة الاستعمار الفرنسي "ليس إلاّ. ... آه يا جانسن؛ دمك لا زال باردا ونحن نستقبل قافلة كامو...لا قدر الله....نعدك أنها لن تمّر حتى وإن حاولت القدوم عبر الصواريخ". تلفيق من قبل بعض "الأصدقاء" المعربين وبخصوص المقال الذي كتبته مراسلة صحيفة لومند يوم 21/02/10 حول هذا النّص والذي تقول فيه "أن مصطفى ماضي هو موزّع هذه العريضة وأن مسألة قافلة كامو هي نتيجة صراع بين المعربين والمفرنسين" فأقول إن النص هو مبادرة ثلاثة مثقفين مفرنسين ومصطفى ماضي هو المعرب الوحيد من بينهم (محمد بوحميدي سامية زنادي وعمار شعلال). وأقول لها وللذين استجوبتهم من "خبراء ونقاد أدب": إن قافلة العار قد زادت في توحيد المثقفين الجزائريين المكونين بالعربية والفرنسية. أما عن الذين استجوبتهم (راجعوا مقال لومند) فإنه يبدو أنهم يحمّلون التعريب مسؤولية في المواقف التي تذهب في اتجاه الدفاع عن الأطروحات الكاميزية، بل أكثر من ذلك يصبون في اتجاه تصريحات كوشنير الأخيرة والخطيرة عندما يعتقدون أن المسألة هي مسألة الجيل السابق، أي جيل نوفمبر، ولا تخص الجيل الحالي. أقول لهم أين هي رهانات الذاكرة إذا؟ أقول لهؤلاء أقرأوا روايات كامو من جديد وبخاصة كتاباته الصحفية. كلمة أخيرة فقط: مراسلة لومند...وهي صحيفة كبيرة يبدو أنها أخطأت مهنيا تتصل ب"خبير سوسيولوجي وناقد أدبي وروائي ولم تتصل بالذي اعتبرته كاتب وموزع العريضة...هل يعقل ذلك وبعد أن كتبت المقال اتصلت بي لتأخذ موقفي ولكن بعد أن نشر المقال.. هكذا يفعل الصحفيون الفرنسيون... صحفيو الجرائد الكبرى! وفي الأخير أشكر كل الموقّعين وأشكر الأستاذ علي هارون الذي راسلني بمجرد أن تلقى النّص وعبّر لي عن تأييده المطلق وهو الذي التقى بكامو ويعرف جيدا مواقفه المضادة للثورة والملتزمة ب"الجزائر الفرنسية".