كيف تشتغل المنظومة الاتصالية في الجزائر؟، وهل هناك دراسات ثقافية تتابع مسار الإنتاج الثقافي الذي تبثه التلفزة الجزائرية من حصص وبرامج وأعمال درامية، ولماذا يكون الحديث عن هذه الأعمال إلا خلال شهر رمضان، ولماذا عندما حاولت مصر مقاطعتنا ثقافيا لجأنا إلى البحث عن البديل الجاهز في الأسواق السورية والخليجية وربما حتى الموريتانية، ولم نفكر في بعث صناعة وطنية إلى الوجود· إن المشاهد الجزائري اليوم في ظلّ الخيارات المتعددة أمامه عبر الفضاء الإعلامي المتنوع، يحن إلى صور بلده وتفاصيل ويوميات شعبه وقيمه وتراثه العريق وتضاريس بلده الفسيح، حيث أنّ هنالك مناطق عذراء لم تزرها الكاميرا الجزائرية إلى حدّ الآن، وتستطيع أكثر من قناة التوجه إليها لتغطية حاجاتها من المادة الإعلامية والثقافية دون انقطاع· من برامجنا ومن البرامج التلفزيونية التي استأنس بها المشاهد الجزائري خلال 2008 - ,2009 نجد برنامج ''مرحبا''، الذي اجتهدت المحطات الجهوية الأربع على إعداده، وأثبتت قدرتها الإبداعية والفنية في الإنتاج من خلال التجول عبر العديد من المناطق والمعالم السياحية والثقافية والتراثية، وعرضها في لوحات فنية تبرز التنوع السياحي والتراثي وجماليات الطبيعة الجغرافية للجزائر، ويمكن تسويقها كمنتوج سياحي محفز للاستثمار الداخلي والخارجي· لقد أثبتت المحطات الجهوية للتلفزيون الجزائري من خلال العديد من العناوين والحصص التي تبث عبر الأرضية والجزائرية الثالثة، أنها مشروع جاهز لقنوات محلية يمكن أن تعطي دفعا قويا للإعلام الجواري والتنمية المحلية، وتحقق قفزة نوعية في سياسة الدولة للاتصال· كما أن المشهد الإعلامي الجزائري من خلال الفضائية الثالثة والأرضية، وكذا قناة القرآن الكريم والأمازيغية، يشهد تحولا نوعيا وكميا، وشكّل متنفسا للعديد من الوجوه لتبرهن على طاقاتها وإبداعاتها، وقدرتها على الوصول إلى وجدان المشاهد الجزائري، واستقطاب انتباه جمهور أوسع رغم منافسة الفضائيات· فنجد المؤانسة ومتعة المشاهدة في حوارات عبد الرزاق بوكبة مع ضيوفه المميزين في حصة ''الأماسي'' ومقارباتها الفكرية والفلسفية في قالب شاعري سلس· كما نجدها أيضا مع عيسى ميفاري في ''فضاء الجمعة'' الذي قدم للمشاهد الجزائري والعربي نخبة من المفكرين العرب والجزائريين في مختلف التخصصات الفكرية والمعرفية، وبرنامجي ''لنتحدث'' و''خيلكم معانا'' كبرامج تفاعلية تهدف للتواصل مع المشاهد ليكون طرفا فاعلا ومشاركا في العملية، وعنصرا أساسيا كمتلق للخطاب السمعي البصري· ورغم أن برنامج ''في دائرة الضوء'' لقسم الأخبار يحاول أن يواكب الأحداث الدولية، وتقديم وجهة نظر الجزائر من خلال استضافة أساتذة من الجامعة الجزائرية، ومن الخارج وتسليط الضوء على قضايا مختلفة بالتحليل والنقاش المتعدد الأطراف، إلا أن صفة الارتجال في طرح الأسئلة ولجوء المنشط للإعلان عن اسم القناة وعنوان البرنامج بتكرار ممل، ناهيك عن التصنع في النطق لدى منشط الحصة، والغريب أيضا أنه بمجرد انتهاء معدّ البرنامج من النقاش على المباشر، ينتقل نفس المنشط لتقديم نشرة الأخبار الموالية، وهو أمر متعب للمنشط وممل للمشاهد، فضلا على أنه يمس بمصداقية القناة ومن شأنه أن يشوش على المشاهد ويدفعه لاختيارات أخرى· أنتم أيضا - نموذجا - ''أنتم أيضا''، برنامج تلفزيوني لفت الإنتباه من خلال عنوانه الذي يؤمن بأن اللغة ليست وصفية فقط، بل هي أيضا أدائية تستفز المتلقي لإنجاز شيء ما· حوارية بين النص والمتلقي، بين البرنامج والمشاهد، للبحث عن أنجع السبل للتغيّر نحو الأفضل على شاكلة ''كن أو لا تكن''، بل إنه يصر على ''أن تكون ولما لا''؟، ''حاول دون ملل لأنك في النهاية ستحقق الحلم أنت أيضا'' كما يقول البرنامج· ''أنتم أيضا'' عنوان لنص منتج للمعنى ومحفز للإبداع· وهي آلية اعتمدها معد ومقدم البرنامج أحمد بن صبان لتعزيز العلاقة بين المرسل والمستقبل (المشاهد) منذ الوهلة الأولى وإبقاء ''ذات المشاهد'' مهيأة لاستيعاب الرسالة وفهم رموزها، وتبني خيار إيجابي وفق مبدأ أن شخصية الفرد تتشكل باستمرار، بحيث يقوم الإنسان بتعديلات وإضافات وتقويم وتقييم مستمر مدى الحياة· إن ميزة برنامج ''أنتم أيضا'' تكمن في أنه يتوجه للفرد كذات وككائن اجتماعي، من خلال عرض نماذج لأفراد مميزين واستعراض طرق تفكيرهم ومحاولة فهم السياقات التي تأسست حولها أفعالهم وطرق تواصلهم مع المحيط ككل· فهو برنامج يتوجه إلى إصلاح المجتمع من خلال الفرد باعتباره جزء أساسيا ومركزيا في أي عملية تنموية، كما تعتمده الدراسات السوسيولوجية الحديثة للفهم والتنبؤ بمسار المجتمع· فعندما يعيش الفرد في حالة السلبية واللامبالاة والقصور، وهي مظاهر تلعب دورا بارزا في استلاب الشخصية، وتخلق ثقافة متسلطة وتعطل الإبداع وتدفع الإنسان إلى دوائر الاغتراب المفضي إلى سلوك غير سوي'' مثل ظاهرة الحرفة، كما أشار الدكتور محمد رمضان من جامعة تلمسان، في دراسة حول الهجرة السرية في المجتمع الجزائري نشرت بالمجلة الإلكترونية حجص· كان يمكن لضيوف برنامج ''أنتم أيضا'' في بداية مسارهم الحياتي الخضوع للأمر الواقع، غير أن حالة داخلية دفعتهم للتفكير في بدائل أخرى أكثر فاعلية· إنه البحث عن المكانة اللائقة وعن الدور الذي يلبي طموحهم ويحقق أحلامهم وينمي مركزهم ويرقى ذاتهم، ويحسن صورهم في الصورة المتشكلة عنهم لدى الآخرين· فها هو الشاب النجار ''بلخير شنين'' من ورفلة، بعدما اكتشف أن ورشته لا تتسع لأحلامه لم يفكر في عقد مع الشركات البترولية كما يفكر أغلب الشباب اليوم، أو الهروب نحو المجهول، بل بحث في داخله عن إمكانية التغير والانطلاق من جديد، لينخرط في مواصلة التعليم والتحصيل العلمي بالمراسلة بنفس جديد ليتحول من نحت الخشب بورشة ضيقة إلى تلقين الطلبة نحت الكلمات عبر مدرجات الجامعة· والأمر أيضا مع الشيخ صاحب 80 سنة ''صالح سماوي'' الذي لم ييأس من تكاليف الحياة بل أن الحياة تتجدد باستمرار، حيث ناقش رسالة الماجستير ويستعد لأطروحة الدكتوراه بنفسية طالب لا يمل الترحال والبحث ومتعة العلم، وينطبق الأمر كذلك على الأستاذ أحمد مودع ضيف أحد الحلقات، حيث يروي كيف أن الإعاقة كادت أن تكلفه التهميش والإقصاء لكونه معاقا حركيا، إذ أهمله المجتمع في قرية من قرى بسكرة، وهو اليوم مدير الثقافة لولاية ورفلة· أشرف على العديد من المهرجانات واللقاءات الفكرية، حيث أقر في الحصة قائلا: ''لقد بعث الله لي ملائكة من سويسرا لإنقاذي من الضياع والإهمال ممثلين بمساعدين اجتماعيين لإدماجي في المسار المدرسي بعد أن كدت أن أفقد قطار التعلم''، وشكر الأستاذ مودع التلفزة لأنّها ذكرته بجميل المساعدة الاجتماعية السويسرية بعد أكثر من 30 سنة عن الحادثة، واليوم ونحن نلوم المجتمع السويسري لتصويته ضد المآذن، وكأن الإسلام ينتشر في أوروبا من خلال بناء المآذن وتوظيف الرموز والشعارات بدل القيم والمعاني الإنسانية النبيلة، التي تدعو للتسامح ونشر الخير والتواصل السلمي مع الغير بالأخلاق والمعاملة الحسنة، وهو جوهر رسالة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين جميعا· الرهان الحقيقي إذا أقررنا بأنه لا مجال على المدى القريب للدول العربية أن تدخل عالم صناعة تكنولوجية الإعلام والاتصال، والذي تحتكره الدول الغربية تحديدا الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا واليابان··، فإن الصناعة الثقافية مجال مفتوح يمكن الاستثمار فيه لإنتاج مواد ثقافية محلية تدافع على عنصر ''الهوية'' في كل مجتمع وبلد· كما أن الرهان في نجاح أي قناة قبل التفكير في فتح قنوات أخرى يكمن في إدراك مدى أهمية كل مكونات العملية الاتصالية من العنوان إلى المضمون، والومضات الإشهارية، وشارة القناة وفنيات الإخراج والمؤثرات الصوتية والبصرية، وتوظيف تكنولوجيا الإعلام الآلي مع التجديد المستمر والإبداع في الشكل والمحتوى، وتوظيف الدراسات الأكاديمية لمعرفة اتجاهات الجمهور وفق مبدأ التنافسية الذي يفرضه عصر الإعلام والفضائيات·