منذ البدايات الأولى للسينما تحولت الصورة إلى لغة بليغة لا تضاهيها أية لغة أخرى، حتى قيل إن صورة واحدة خير من ألف كلمة· وهو ما يشير إلى أن عصرنا هو عصر الصورة بامتياز، لما لها من قوة وتأثير بالغ يعتمد على خطاب الضوء من جهة الصورة، وخطاب العين من جهة متلقيها· وبالنظر إلى السياق القرآني الذي ورد فيه ''إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا''، فإن البصر من حيث تراتبيته بين الحواس في ثقافتنا العربية الإسلامية يأتي في المرتبة الثانية مقارنة بخطاب السمع أو اللغة، التي كانت لها سطوتها وسلطتها على ثقافة الأمة وطرائق تعبيرها، وبالنتيجة كانت الأمة العربية تعتمد على اللغة والشفوية بشكل أخص، وغاب لديها الإهتمام بالفنون البصرية والتشكيلية، إلا من حيث كونها رسائل بصرية تفضي إلى غايات مقدسة مرتبطة بالدين والعقيدة، ولذلك ارتبط البصر بالبصيرة التي هي رؤية داخلية·· لقد أفرز عصر الصورة معطيات جديدة في كيفيات التعامل معها كلغة لها دلالاتها ولها خصوصياتها ولها أدواتها التي تقرأ بها، من الناحية الأيقونية والسيميولوجية والبنيوية· وبالمحصلة صارت اللغة السينمائية لغة قائمة بذاتها لا تحتاج إلا وسائط أخرى، بدليل أن الأفلام السينمائية التي حققت نجاحات باهرة بعيدا عن لغة أبطالها وشخوصها· ولم تتأسس على غير مقوماتها الذاتية، والمعايير الجمالية النابعة من داخلها·· في الحالة الجزائرية، هناك مفارقة لافتة، وهي أن السينما الجزائرية برغم الفتوحات والنجاحات النوعية والتقدير الذي حصلت عليه في''كان'' من خلال السعفة الذهبية العربية الوحيدة للأخضر حامينا، وفيلمه ''وقائع سنوات الجمر'' وما تلاها من تتويجات عالمية، غير أن كل ذلك لا يقابله اهتمام حقيقي بالسينما لا من قبل جمهورها ولا من قبل القائمين عليها والمسؤولين على شأنها· وإلا بماذا نفسر غياب سياسة حقة خاصة بقطاع السينما، وغياب صناعة سينمائية، فلا بنى تحتية ولا مدن إنتاج سينمائي، وما تحقق من تراكم في السبعينيات من إنتاج، ومن وفرة في دور السينما سرعان ما اندثر وتحولت هذه القاعات إلى نشاطات أخرى·· من الجانب الإعلامي ليس هناك نقاد سينمائيون متخصصون، ولا صحف أوجرائد تولي هذا الجانب الأهمية التي يستحقها، ويبقى الأمر مرتبطا بالمناسبات والمواسم أحيانا، وبمزاج الصحفيين وميولاتهم·· إن واقع السينما في الجزائر تذوقا ومشاهدة، وممارسة وإنتاجا ومتابعة إعلامية يحتاج إلى تشخيص ومعالجة أصبحت ضرورة ملحة، من أجل أن تستعيد عصرها الذهبي، الذي يبدو أنه ضاع منها لحساب التلفزيون الذي صار أحد أفراد العائلة، وله دوره في تشكيل وعي المجتمع وأنماطه الثقافية والسلوكية·