اتفق حقوقيون وسياسيون على أن قانون تجريم الاستعمار خطوة مهمة لكنها غير كافية للضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها، ما لم ترافقه قرارات سياسية من الدولة ومبادرات المجتمع المدني، التي من شأنها أن تحقق افتكاك الاعتذار من المستعمر القديم، واعتبروا أن إصدار القانون خطوة أولى ضمن سلسلة من المبادرات، على غرار التأكيد على حماية رموز الثورة في التعديل الأخير للدستور. وقال رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، في اتصال هاتفي أمس “لقد تأخرنا في إصدار القانون الذي كان من المفروض أن يتم منذ مدة، إلا إننا نثمنه، ولكنه يحتاج إلى دعم سياسي“، معتبرا أنه للدولة والمجتمع المدني دور حاسم في هذا الملف الشائك، فالقضايا المصيرية “تكسب على الدوام بالمجتمع المدني القوي المؤثر“، وخاصة على المستوى الخارجي، “فالقانون في الأصل جاء كرد على قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار الفرنسي“. ويرى المحامي عمار خبابة أن قانون تجريم الاستعمار، ورغم أنه خطوة ايجابية، يبقى غير كاف للضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها الاستعمارية، فهو حلقة في سلسلة من المبادرات، والتي يجب أن تكون سياسية أكثر منها قانونية. وأضاف محدثنا “إن الضغط لا يتم عن طريق إصدار قانون، بل يحتاج إلى إرادة سياسية، وإعطاء المسألة أهمية كبيرة بحيث تربط بالمصالح المشتركة للبلدين“، مشددا على المجتمع المدني الذي بات من الضروري تشجيعه وإحاطته بكل أدوات القوة والتأثير التي تجعله يعمل بتلقائية للضغط في اتجاه جر فرنسا للاعتراف بالجرائم“. كما أنه “يمكن أن يكون للدولة تأثير في القرار الفرنسي والضغط عليه، فعلى فرنسا “أن تدرك حقا أن طي صفحة من الماضي، وربط صداقة مع الجزائر سيكلفانها الاعتذار عن جرائمها“. وتبنى الشيخ عبد الله جاب الله نفس الموقف، وقال إن قانون تجريم الاستعمار هو خطوة أولى لا بد أن تليها خطوات أخرى قانونية وسياسية. وأحدث صدور قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار، ردود أفعال في البرلمان، ظهرت في أول مبادرة تمثلت في صورة لائحة نيابية للتنديد بالقانون، تلاها تقديم مقترح مشروع قانون لتجريم الاستعمار في 2007 من طرف كتلة حركة الإصلاح، غير أن المكتب السابق للمجلس وقف في طريق المشروع، وحفز تعديل رئيس الجمهورية للدستور، وجعل المساس برموز الثورة جريمة يعاقب عليها القانون، أحزابا سياسية لإعادة بعث مقترح مشروع القانون، الذي تبناه البرلمان رسميا في انتظار عرضه على مجلس الحكومة. كما تحرك المجتمع المدني ضمن لجنة تسعى لحماية الذاكرة من النسيان تقودها نخبة من القانونيين والساسة، والتي اتسع نشاطها إلى المجتمع المدني الفرنسي والدول المستعمرة.وفي باريس، تطالب قرابة 20 منظمة فرنسية وجمعيات وأحزاب سياسية، باريس بالاعتراف الرسمي بالجرائم التي اقترفتها في حق الجزائريين، وبتحرير التاريخ من القبضة السياسية، والتي أعاد إخراجها الرئيس الفرنسي ساركوزي، بقوة، وعدم الخضوع لمراقبة السلطات العمومية والحدّ من سيطرة السلطات السياسية الفرنسية على توجهات المؤرخين، ومحاولة توجيه استنتاجاتهم حول حرب الجزائر والمرحلة الاستعمارية.وتدعو الجمعيات إلى تشكيل تحالف تشارك فيها جمعيات المجتمع المدني في الجزائر وكذا دول المغرب العربي التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي بهدف الضغط على باريس لتعديل مواقفها من قضايا الذاكرة، والبحث عن الحقيقة والقضاء على الآثار المرّة للاستعمار والعنصرية التي ما زال يعاني منها الرعايا المغاربيون في فرنسا.