يذهب بعض الأصدقاء من الكتاب والمثقفين، ولهم الحق في ذلك، وهم يشخصون حال الثقافة في بلدنا، بأننا نعيش حالة تصحر ثقافي شامل، وقحط أدبي لا مثيل لها. وهي نظرة بقدر ما فيها من الواقعية بقدر ما فيها من الشطط والتشاؤم المفرط والأمر بنظري يدعو إلى نقاش هادئ يكون تساؤله الرئيس هل فعلا تحول واقعنا الثقافي إلى نفق مسدود وأفق مغلق؟ وإلى صحراء جرداء قاحلة بصورة تدعو إلى اليأس؟ وما معنى وجودنا إذا كان الأمر على هذا النحو؟ وأين نحن وماذا فعلنا لتغيير الأوضاع؟ ما أسهل أن يلبس مثقف في حالة مزاجية معينة نظارات سوداء، ويشرع في إصدار أحكام قاسية على مشهد فيه ما يحزن بالتأكيد، ولكن فيه أيضا ما يفرح ويبقي على كوة الأمل مفتوحة من أجل تجاوز هذه الحالة بالنقد والمشاركة وتقديم البدائل الأنجع والأحسن.. هذا الكلام لا يعني أننا نؤيد نظرية “كل شيء على ما يرام وفي أحسن حال“. هذا الشعار السائد في ساحتنا الوطنية بجميع أصعدتها في محاولة للتعمية والتعتيم على مشاكل وإخفاقات يمكن تجاوزها بتعريتها والكشف عنها، لا بتغطيتها بغربال “مقعر“ يرى منه العميان.. وللأسف فإن هذا الشعار عادة ما يرفعه القائمون على شؤوننا والمسؤولون عن حياتنا ما داموا في سدة المناصب ينظرون من وراء الأرائك الوثيرة، ويوزعون صكوك الوهم والحياة الوردية على وسائل الإعلام، لكنهم حينما يغادرون هذه المسؤوليات سرعان ما ينقلبون إلى ناقمين وثائرين على وضع كانوا بالأمس القريب من أكبر الفاعلين فيه والمؤسسين لما آل إليه من ضحالة.. وبالمقابل هناك من ينظرون بتفاؤل كبير يصل حد الوهم إلى بؤسنا الثقافي، وهم في العادة من أتباع الساسة والقائمين على الشأن العام، الذين تربوا على موائد ثقافة الريع، وفي أحضان عرابيها، ولذلك فهم يرون كل شيء إيجابيا ويحاولون تسويقه على هذا الأساس، وقطاع من هؤلاء هم من المثقفين الذين وصلوا إلى سدة المناصب العليا، فتغيرت نظرتهم من نظرة نقدية ناقمة إلى نظرة إيجابية مستكينة.. وبين الفريقين المتشائم ببؤس مشهدنا الثقافي والمتفائل بعكس ذلك، لا بد أن يكون ثمة فريق متشائل، يقر بأن المشهد الثقافي الجزائري كما في كل العالم له سلبياته التي يجب الاعتراف بها، كما له إيجابياته ومنجزاته التي يجب التنويه بها. والدليل على ذلك هذا الحضور اللافت للثقافة والأدب والفن الجزائري محليا وإقليميا وعربيا وعالميا، سواء في اللغة أوالرواية أو الفنون أوالإعلام. وهذه التتويجات والتقدير الذي حظي بها صانعو فعل الكتابة والإبداع، دون أن ننسى ما يؤسس له متن الهامش من تجليات ناصعة..