دليل انفتاحنا الثقافي المحسوب عادة على الفرنكوفونيين المنغلقين في كثير من الحالات مقارنة ببعض المعربين المتهمين بالتزمّت ومغازلة الإسلاميين، كما أثبت ذلك كاتبنا الكبير وطار في معركته مع خضرة - راجع حديثنا معه - تقديمنا دون عقدة أو ذنب عدد لوموند المرجعي الممتاز عن الروائي الكبير ألبير كامو في سياق الحمى التي استولت على فرنسا الشهر الماضي بمناسبة تكريم الرجل الذي اتفقت حول عظمته كل التيارات الفكرية والنُّخب المتناحرة إيدولوجيًا وسياسويًا باعتباره الأديب والمفكّر والإعلامي الحامل لرؤية إنسانية وكتابة جمالية حوّلته إلى أيقونة إبداعية قلّ نظيرها في فرنسا والعالم. انطلاقا من هذا الاعتراف الصريح والمباشر لا يمكن للزميل الظريف حميد عبد القادر، اعتبارنا من عسس الإبداع من منظور إيديولوجي كما كتب محقا مدافعا عن كامو وهو العارف بأن الغرب الذي أعيش فيه كلّه عسس على الأدباء والمفكّرين والفنانين الذين يختلفون مع طروحاته المسيطرة في الساحة لسبب إيديولوجي، ولنا في أمثلة غارودي وديودونيه ووطار وطارق رمضان وفانسان جيسار وفرنسوا بورقا وتيري ميسون - صاحب كتاب الخديعة الرهيبة حول هجمات الحادي عشر سبتمبر - أقوى الأدلة الدامغة. “حياة ...أعمال ألبير كامو... التمرد والحرية” هو عنوان العدد الذي كتب افتتاحيته برنار هنري ليفي، محامي إسرائيل في كل الحالات وجنرال الفكر والإعلام والثقافة في كل المناسبات؛ دون استثناء وساهم فيه كل من فرانك نوشي ووجان إيف غيران وميشال أوفري والراحلين فرنسيس جونسون وجان بول سارتر وأندري برتون وجان لوي بارو وجان فيلار وجان ستاروبنسكي ووليام فولكنر والحي العجوز والقلم الذي لا يتعب جان دنيال ابن مدينة الورود البليدة ورفيق درب كامو؛ الذي قال عنه في الملف الذي خصصته مجلته إنه تنبّأ بالمصير؛ الذي تعرفه الجزائر اليوم بعد أن انفصلت على فرنسا الأم !! أهمية العدد الممتاز الذي انفردت به لوموند، تكمن في النصوص المختارة المستقاة من كل أعمال كامو، الأمر الذي يسهل مهمة إعادة اكتشاف نفسه الإبداعي وتأمل خلفيات أعماله والربط السريع بين أبعادها والواقع الراهن على الصعيدين الجزائري الفرنسي الخاص والإنساني العام وفي الكتب التي نشرت حول أعماله والمحطات الإعلامية والفنية والفكرية والاأبية والعائلية التي ميّزت رحلته المهنية العامة. وفي الصور الوثائقية النادرة التي زادت من وهجه وكاريزماه وشخصيته النادرة بوجه عام .. يظهر كامو مع أمه التي فضّلها عن العدالة - التي قصد بها عدالة كفاح الشعب الجزائري لكن دون إرهاب جبهة التحرير كما يقال في الأدبيات السياسية الفرنسية - ومع سارتروبيكاسو ودوبوفوار وجاك لاكان وسيسيل إيلويار وميشال ليريس. وتتجلى يومياته العائلية رفقة زوجته فرنسين وابنته كاترين وابنه جان اللّذين رفضا دعوة ساركوزي لإدخال والدهما إلى مقبرة العظماء “البنتيون” تجسيدا لمبادئه المنافية لتوجه الرئيس الفرنسي المدعم لأقوياء وأغنياء العالم خلافا لكامو؛ الذي عاش فقيرا وناضل من أجل المستضعفين كما كتب في تحقيقه الشهير “بؤس أهل القبائل” الذي نشرته ألجي ريبوبليكان، في حلقات من الخامس إلى الخامس عشر جوان من عام 1939. وعن هذا التحقيق كتبت لوموند تقول إنه اهتم ببؤس السكان، لكنه لم يربط ذلك بطبيعة العلاقات التي كانت تربطهم بفرنسا من منظور سياسي. وهنا نتساءل عن نوع العدالة التي تركت الكثير يقولون إنه كان كاتبا إنسانيا وقف ضد كل أشكال الظلم والشمولية الإيديولوجية، فهل الاستعمار الفرنسي يخرج عن نطاق ذلك؟