التكفل بانشغالات المواطن: خبراء ينوهون بسرعة استجابة الحكومة لتعليمات رئيس الجمهورية    الفريق أول شنقريحة يلتقي مع وكيل الحرس الوطني الكويتي    مواصلة العمل على مرافقة نزلاء المؤسسات العقابية وإعادة ادماجهم في المجتمع    زحف الرمال على السكك الحديدية: اعتماد حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة الظاهرة    المؤتمر العالمي للاستثمار بالرياض: الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار تبرز الفرص المتاحة بالجزائر    سفير دولة فلسطين يثني على الدور الهام للجزائر بمجلس الامن لمساندة الشعب الفلسطيني    مجلس الأمة يشارك بلشبونة في الندوة الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    مذكرتي اعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: مقررو الأمم المتحدة يدعون إلى امتثال كامل للمذكرتين    كأس افريقيا 2024 سيدات/ تحضيرات : فوز الجزائر على اوغندا وديا (2-1)    مشروع انشاء خلية يقظة لحماية الاطفال من الفضاء الافتراضي سيكون جاهزا في 2025    الفنون التشكيلية: افتتاح الطبعة الثامنة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بالجزائر العاصمة    "الذكرى ال 192 لمبايعة الأمير عبد القادر" محور ندوة تاريخية    الصالون الوطني للفنون التشكيلية بمعسكر: لوحات زيتية تروي تاريخ ثورة التحرير المجيدة    إمضاء اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة صالح بوبنيدر ومؤسسة خاصة مختصة في الصناعة الصيدلانية    اجتماع للأكاديميات الإفريقية للعلوم بالجزائر    التسجيلات لامتحاني شهادتي البيام والبكالوريا دورة 2025    الجزائر تنجح في طرد مُجرمة صهيونية    معهد الأدلة الجنائية وعلم الإجرام للدرك يتسلم جائزة عالمية    أكثر من 1400 عائلة تُمسح من غزّة    بعد وقف إطلاق النار..بري: لبنان أحبط مفاعيل العدوان الإسرائيلي    مزيان يعزي عائلة الصحفي محمد إسماعيل    عطال يتعرض لانتكاسة جديدة في قمة السد والهلال    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    تبّون: الأرض لمن يخدمها    حجز أزيد من 56 ألف قرص من المؤثرات العقلية    قسنطينة.. أزيد من 120 عملية لإعادة تهيئة وتغيير شبكات توزيع الغاز    هذه الشعب المعنية بمسابقة التوظيف..    خارطة طريق شاملة لإعادة هيكلة النسيج الاقتصادي    سوناطراك تشارك في صالون دولي في كوت ديفوار    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    ورشة تكوينية لفائدة قضاة وضباط الشرطة القضائية    الاجتماع الوزاري لمنتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات: عطاف يعقد جلسة عمل مع نظيره البرتغالي    كأس إفريقيا 2024: المنتخب الوطني النسوي يواصل تحضيراته بحضور كل اللاعبات    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    الدعم مكّن من إنهاء ندرة الحليب المبستر    رحيل صوت القضيتين الفلسطينية والصحراوية في المحاكم الدولية    اكتشاف عيادة سرية للإجهاض    محرز يحقق رقما مميزا في دوري أبطال آسيا    مازة لن يغادر هيرتا برلين قبل نهاية الموسم    مدرب مانشستر يونايتد يصر على ضم آيت نوري    تطبيق مبتكر يحقق الأمن السيبراني    البحث في علاقة المسرح بالمقاومة    انطلاق أشغال ترميم مسجد "الحنفي" الأثري    تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    جائزة الشيخ عبد الكريم دالي : حفل تكريمي للفنان الراحل نور الدين سعودي    نقاش حول السياحة الليلية الحضرية بتيزي وزو    طالب جامعي متورط في سرقة    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تنحدر العمائم
نشر في الفجر يوم 26 - 02 - 2010

اعتبر ولده إمام مسجد مجدل عنجر بطلا قوميا باسلا، لا يجهر إلا بكلمة الحق. طالب رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء والأمنيين جميعا رفع عمامة ولده الشيخ محمد المجذوب التي ألقيت على الأرض خلال عملية الخطف، مشبّها عمامة الشيخ بعمامة خليفة المسلمين عمر بن الخطاب. ثم توعّد بإذكاء الفتنة في لبنان إن لم تُحترم كرامة أهل السنّة بدءا من رئيس الجمهورية وانتهاء بأصغر شرطي بلدية. لكن ما أن بزغ فجر اليوم الثالث لعملية الخطف حتى دهمت القوى الأمنية مسكن كمال حندوس في بلدة “لالا” البقاعية وألقي القبض على الشيخ المجذوب وصديقه حندوس، فيما أصدرت النيابة العامة الاستئنافية في البقاع مذكّرتي توقيف بحقهما، وأحالتهما على فرع المعلومات في بيروت للتحقيق.
اعترف إمام مسجد مجدل عنجر الشيخ محمد المجذوب أمام المحققين، أنه هو من دبّر عملية اختفائه وأن كمال حندوس جاراه بناء على طلبه. وقال الشيخ المجذوب إنه خطّط لفعلته بهدف استعطاف أصحاب النفوذ والثروة وإلقاء الأضواء الإعلامية عليه وتقديم نفسه أنه ضحية مواقف سياسية متشددة كان قد اتخذها في مراحل سابقة ضد “حزب الله”، تمهيدا لتسلمه منصبا سياسيا في منطقته ودعمه ماديا في أسوأ الأحوال.
كانت الخطة المرسومة أن يختبئ الشيخ مجذوب في منزل صديقه حندوس بعدما تمكن من ؤنجاز الشق الأول من سيناريو الخطف الوهمي، حيث اتفق والحندوس أن يعاونه فيما بعد على حلاقة لحيته وتشطيب نفسه قبل تقيده ثم إلقاءه على حافة الطريق، على أن يتولى الشيخ المجذوب بعد ذلك “فبركة” تفاصيل رواية الخطف أمام الإعلام على طريقته الخاصة، واتهام الفريق الشيعي، تمهيدا لإشعال الفتنة بين السنّة والشيعة التي هي أشدّ من القتل!
في كتاب مفتوح موجه إلى مفتي الجمهورية اللبنانية، دعا الرئيس سليم الحص الشيخ محمد رشيد قباني إلى إقامة دعوى قدح وذم على من تجرأ على توجيه الاتهامات التي طالت سمعة المفتي أو الاستقالة من منصب الإفتاء، كون السكوت على الاتهامات مدة طويلة هو دليل على صحتها وصدقتيها، بل شاهدا قاطعا على الضلوع في الارتكاب. وأضاف الرئيس الحص “ولا يغرّنك أن في هذا البلد جهات سياسية تخصك بالدعم والتغطية على معاصيك، فحبل دعمها، كما تغطيتها، قصير وعرضة للانقطاع في أي لحظة”.
ردّت دار الفتوى كما نائبان من تيار المستقبل على رسالة الرئيس الحص المفتوحة، بنفس اسلوب والد إمام مسجد مجدل عنجر. ففيما اعتبر والد الشيخ المجذوب “أن كرامة أهل السنّة لم تحترم وأن الفتنة سوف تشتعل”، رأت دار الفتوى كما النائبان أن كلام الرئيس الحص “مسيء إلى كرامة المسلمين ويشجع على الفتنة المدمرة”. والملفت للنظر أنه كلما حاولت جهة ما الإشارة إلى مكامن الهدر والفساد في هذا البلد، يتم اتهامها بالمس بكرامة إحدى الطوائف أو إثارة الفتن. مما يبيّن أن النظام الطائفي في لبنان يُساء استخدامه من قبل رموز السلطة، كدرع واقي لإحباط أية عملية إصلاحية.
والغريب في الأمر أن دار الفتوى كما نائبي تيار المستقبل، استهجنا بحدّة مضمون رسالة الرئيس الحص إلى المفتي قباني، كون الرسالة أتت قبل اكتمال عمل اللجنة المكلفة بالتدقيق المالي في حسابات دار الفتوى. لكنهم لم يستهجنوا يوما اتهام فريق 14 آذار، دمشق باغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل انتهاء عمل المحكمة الدولية. فلماذا يجوز لهم ما لا يحق لدولة الرئيس سليم الحص؟ وهل أصبح أهل السنّة مواطنين من درجتين، الأولى تعتبر نفسها فوق الشبهات كونها موالية لدار الفتوى و لتيار المستقبل والثانية محرّم عليها طرح أبسط الأسئلة؟ وهل يطمحون أن تُنحر الحرية ليصبح لبنان مماثلا لفترة حكم جوزيف ستالين، الذي كمّ أفواه الشعب الروسي لمجرد إبدائهم وجهة نظر مغايرة أو المجاهرة برأي آخر؟
ويبدو أن نجل المفتي قباني، المتهم حاليا من قبل الرأي العام السنّي بهدر ملايين الدولارات من أموال المسلمين تحت ستار “دراسات هندسية لمشاريع وهمية”، قد تلوّث بمناخ الهدر والفساد الذي أشاعته الطبقة السياسية بكل مذاهبها وطوائفها، مما أوصل لبنان ليكون دولة مديونة بما يفوق الخمسين مليار دولار أمريكي. ثم ما هذا المنطق المعتلّ الذي يدعو التكتم على المعاصي والسكوت عن الهدر والفساد حرصا على وحدة الطوائف. فأية وحدة من ركائزها التستر على الارتكابات، إنما هي وحدة مريضة، فاشلة، بائسة، وحدة تفترس الوطن في عتمة الليل!
طالما أن بعض العمائم قد بدأت بالانحدار، فمن حقنا التساؤل: هل كانت إحدى أهداف عملية خطف الشيخ المجذوب لنفسه فيما لو أفلحت، توجيه الأنظار بعيدا عن الفساد الذي ضرب دار الفتوى؟ وهل كانت الخطة المرسومة لإعادة إيقاد الفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة، عبر الخطب الملتهبة في مساجد العاصمة وخارجها، كي تعود الحاجة إلى أمثال الشيخ مجذوب لإدارة الحرب الأهلية؟ وهل كانت من أهداف مسرحية الخطف استثارة المشاعر المذهبية لدى أهل السنّة لاستخدامهم في الحشود المليونية؟
لم يكن اعتراف الشيخ مجذوب أمام المحققين سوى مجرد عيّنة بسيطة لما وصلت إليه حال البلاد من جشع وانحطاط خلقي وفقدان كامل للتعاليم السماوية، حيث أصبح إشعال الفتن المذهبية ممراً طبيعيا لتسلم المناصب السياسية أو الحصول على الدعم المادي من أصحاب النفوذ والثروة. ويبدو أن الشيخ مجذوب راقب طويلا عبور الآخرين إلى السلطة والثروة، لذلك تجرأ على المغامرة في عملية الخطف، تماما كما فعل نجل المفتي قباني. إنها نماذج مقلقة للعمائم المنحدرة، في بلد تاه الضمير فيه... يا عيب الشوم!
بقلم: هاني النصولي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.