كم كان أسفنا كبيرا ونحن نتجول عبر بعض شوارع بلديات فقيرة بولاية المسيلة، حين اكتشفنا أنها تسير إلى الخلف بخطوات كبيرة، لكن أن نصطدم بواقع مرير يعيشه سكان أقدم حي بعاصمة الولاية فذلك ما لم نصدقه، عندما اتصل بنا أحد سكانه طالبا منا الاطلاع على ظروفهم التي وصفها بالمأساوية، حيث وعدناه بتخصيص زيارة ميدانية في أقرب وقت. وهو ما حصل صباح يوم السبت الماضي، حيث بدأنا من المدخل الجنوبي للحي، عند جسر يسمى الكدية، الذي استغله عدد من التجار الطفيليين لعرض سلعهم على الرصيف المخصص للراجلين، والذين وجدوا أنفسهم يمشون سويا مع المركبات وسط زحمة خانقة ومن هناك عشرات المركبات التابعة للناقلين الخواص، وكذا سيارات الأجرة التي تعمل على تأمين نقل المسافرين باتجاه الجهة الشرقية للولاية. وغير بعيد، تجد سوق الكدية للخضر والفواكه، حيث تنتشر القمامة بشكل رهيب بالإضافة إلى الرمي العشوائي لبقايا الخضر والفواكه في الجهة المقابلة لابتدائية حي جنان الكبير، التي وقفنا عندها وتحدثنا لأحد العمال عن تسميتها، حيث تنعدم أي لافتة خارجية تشير إلى ذلك. كما لفت انتباهنا السور الخارجي المهدد بالسقوط نتيجة اهتراء التربة، بسبب حركة سير المركبات، خاصة الثقيلة التي تدخل الحي. كما حدثنا أحد العمال عن ساحة المدرسة التي تتحول إلى بركة كبيرة من المياه كلما تساقطت الأمطار، حيث يصعب خروج التلاميذ إليها.. تلكم هي أول صورة أخذناها قبل ولوج عالم الريف وسط مدينة تسمى عاصمة الحضنة، وحي شعبي كبير يضم تعدادا سكانيا معتبرا يقدر بحوالي 800 نسمة، بناياته نصفها هشة مبنية من الطين منذ العهد الإستعماري والأخرى اجتهد المواطنون في إعادة تأهيلها بمجهودهم الخاص. وتكشف تسمية حي جنان الكبير أنه كان، خلال العقود السابقة، جنة فوق الأرض ينتج أجود أنواع الثمار والخضار، وكان يسمى برئة المسيلة.. ونحن نتجول داخل الحي التحقت بنا مجموعة من المواطنين، منهم عمي ميلود وبعض شباب الحي الذين حدثونا عن معاناتهم مع الطين والأوحال حينما تحاصرهم الظروف الطبيعية وسط سكناتهم، حيث لا دخول ولا خروج، ومن كان مريضا يتم نقله على الأكتاف، حيث يرفض أصحاب السيارات الدخول إلى وسط الحي الذي يفتقر للتهيئة الحضرية.. لا أرصفة ولا تبليط. قال محدثونا إن جميع السلطات تعلم بكل النقائص والمشاكل التي يعاني منها السكان ووعدونا، كما قالوا، بتخصيص برامج فورية للتهيئة الحضرية منذ أربع سنوات، لكن لا أحد وفى بوعده. ويضيف أحد السكان أن السلطات لم تقم حتى بوضع لافتة في مدخل الحي تشير إلى تسميته، متسائلين عن السبب الذي جعل حيهم يتعرض لمثل هذا الإقصاء والتهميش طوال كل هذه السنين. كما طرح السكان مشكلا آخر يعد حسبهم من الضروريات، خاصة في فصل الصيف، ويتمثل في قلة مياه الشرب وانعدامها في الكثير من الأحيان لدى عدد من السكنات الواقعة في نهاية كل شارع، ويضيفون أنهم لا زالوا يشترون مياه الصهاريج بمبلغ 50 دج، وهو ما وقفنا عليه، حيث وجدنا صاحب صهريج يفرغ المياه لأحد السكان، اقتربنا من صاحب الصهريج المحمل على ظهر الشاحنة وسألناه عن مصدر جلب المياه والسعر الذي يبيع به للمواطنين، فأكد لنا أن المياه يجلبها من حي الأشياخ ويبيعها لسكان حي جنان الكبير ب 500 دج، و هناك صادفنا أحد المواطنين يحمل دلو ماء اقتناه من أحد الجيران الذي اشترى صهريج ماء في اليوم السابق... هو حال سكان حي جنان الكبير الواقع بقلب عاصمة الولاية المسيلة، الذي يتطلب برنامجا خاصا للقضاء على السكنات الهشة التي يملكها مواطنون بسطاء لم يستطيعوا إعادة ترميمها، خاصة تلك المشيدة بالتراب. ونحن نغادر الحي وجدنا عددا من الأطفال يمارسون رياضة كرة القدم على مساحة ترابية تحيط بها أكوام من الأتربة والأوساخ، حيث استوقفنا أحد الشباب مخاطبا: “صورونا جيدا وانقلوا واقعنا إلى رئيس الجمهورية ووزير الداخلية علهما يقدمان لنا يد المساعدة ويرحمونا”.. سألناه كم عمرك فأجاب 15 سنة، هو حال شاب فهم مشاكل حيه جيدا وأراد من القاضي الأول في البلاد التدخل بعدما شعر رفقة كل من تحدثنا إليهم بالحڤرة والإقصاء.