في أكبر تجمع للإعلاميين العرب احتضنته مؤخرا دولة الإمارات، من خلال فعاليات منتدى الإعلام العربي في دورته التاسعة، التي شرف الافتتاح الرسمي لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، صال المفكرون والإعلاميون العرب وجالوا في مختلف هموم الإعلام، ولامسوا أكثر القضايا أهمية. فيما ينظم العلاقة بين المعطي والمتلقي في عالم الميديا والتواصل الإعلامي، فكانت فرصة فريدة للحوار الإيجابي البناء والتعرف إلى التجارب الدولية الناجحة والسعيِ لاستشراف آفاقِ مستقبل صناعة الإعلام، تحت قبة الحرية التي أتاحتها الإمارات لعيون الإعلام العربي ورواده العاملين المبرّزين فيه. ولاشك أن ثمار التحاور البناء فيما يدعم العمل الإعلامي ويرتقي به ستنضج وتؤتي أكلها الطيبة مع مرور الأيام، إذا حظيت تلك الرؤى والأفكار بمبادرات خلاقة، تتجاوز حدود الممكن إلى ضريبة الواجب التي لابد أن تدفع من جميع الأطراف، لتقديم الصالح والأنفع للناس ونبذ الغثاء وتركه يغادر صفحات الزمن جفاءً. ولعلنا نلمس هذا الحرص لدى المنظمين والقائمين على تلمس هواجس العمل الإعلامي وهمومه، وسبل اختراق متاهات الجمود التي تسري في أوصاله، من خلال العنوان الذي اندرج تحته هذا المحفل الكبير من أئمة الإعلام العربي ومفكريه، ذلك العنوان الذي اختصر المشكلة ونظّر للعلاج، فجاء المنتدى تحت عنوان "حراك الإعلام العربي: تعزيز المحتوى لتطوير الأداء". فالقضية ببساطة مطلقة، هي الأداء المتداعي والمتواضع للإعلام العربي، على الرغم من بلوغ مطبوعاته الآلاف وفضائياته المئات، وعلى الرغم من كثرة العاملين في حقوله الداخلين الجدد والخارجين القدامى، والهموم هي الهموم، وآفة الوهن لاتزال تفرض أعراضها وتداعياتها. وعلاج القضية والخلاص من المشكلة، هو الآخر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ولا يتجاوز ما انبرى المنتدى إلى تلخيصه بكلمتين اثنتين هما: تعزيز المحتوى. وتأتي أهمية تعزيز المحتوى الإعلامي، حين نجد التسابق المحموم بين الفضائيات العربية في تنويع فنون الترفيه، دون أن يكون هناك أي محتوى يكفل البناء الإيجابي البناء، ويخدم العملية التنموية النهضوية التي يسعى إليها جميع الأمم الراغبة في البقاء علامة مضيئة على سطور التاريخ، وترفض أن تُكنس إلى هوامشه. وكما قال العالم العربي، أحمد زويل، وهو من ضيوف المنتدى هذا العام، فإنه يوجد في العالم العربي أكثر من 300 فضائية 90% منها للتسلية مع انخفاض كبير في مستوى الجودة، ومن جانب آخر يتسابق الإعلام العربي إلى الحصول على الخبر في أسرع وقت ممكن، دون الاهتمام بالرؤى التحليلية للأخبار. هي قضية مهمة جدا لا تقبل التواني فيها أو تأجيلها، لأن عجلة الحياة والتطور تسير مسرعة، ولا تقبل النائمين على الأساليب الإعلامية القديمة إذا لم ينتبهوا إلى جودة المحتوى قبل الكم، وإذا لم يبادروا إلى التركيز على جذور الأشجار لتقويتها وحمايتها من الآفات، قبل الاهتمام بتزيينها بالأضواء وبالثمار المزيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لأنه سيأتي اليوم الذي تتهالك فيه ولا تبقى إلا عروقا جافة مهجورة. والقائمون على رسالة الإعلام بشتى ألوانه وصوره، الناطق فيها والمقروء، مطالبون بأمانة بالسعي المخلص لترميم البناء الإعلامي العربي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه والعمل على تطوير إنتاج المحتوى المحلي العربي في وسائل الإعلام على اختلاف أنماطها، من أجل تقوية خطابها وتعزيز قدرتها على كَسب دائرة أوسع من الجمهور، متسلحة بالحرص الصادق على العمل ومركزة على العلم والبحث العلمي كقضية مجتمعية جوهرية لا تقبل التهاون، فمن دونها لن تستطيع دولنا العربية تحقيق أي شيء من التنمية أو التطور أو التقدم. الجانب الآخر الذي تستلزمه عملية تطوير المحتوى، يدور في فلك تعزيز آليات الحوار الإيجابي في الثقافة العربية، والتعامل مع التميز والمتميزين بشكل مختلف، دون البحث عن النواقص للتقليل من شأن الأعمال الكبيرة، بل السعي الجاد لمضاعفة أساليب المساعدة على النجاح، ومد يد العون للثمار المجتمعية اليانعة لتنضج وتقدم خيرها للناس. فالكل مسؤول عن حركية التطور، لا التقليل من شأن أحد مهما كانت درجة مسؤوليته الحياتية، ومهما صغرت دائرة التأثير التي يتفاعل معها. جملة من الهموم والهواجس الإعلامية حلقت في فضاء الباحثين عن حلول من رواد الإعلام العربي، ووجدت بيئتها الحاضنة الدافئة في دولة تحترم الحريات، وتبحث عن دعائم النهضة العربية الشاملة لتعزيزها، ولم يبق إلا العمل المتعاضد المتكاتف من جميع العاملين وصناع القرار الإعلامي، لتحويل هذه الرؤى إلى واقع ملموس يعود بالخير ويخرج الإعلام العربي من كبوته. بقلم : نورة السويدي