الحديث عن عالم الانحراف والجريمة بين الأطفال في الجزائر يجعلنا نتأكد أنها ليست تلك الشريحة التي تذهب إلى المدارس وترافع مختلف الجمعيات والهيئات عن حقوقها في التعليم والترفيه والحماية وغيرها، لأنها غير مدرجة ببساطة في خانة الأطفال الطبيعيين الذين نسمع عنهم ونشاهدهم في مختلف الاحتفاليات الخاصة بالطفولة عندما نجد أطفالا يتعاطون المخدرات ويستنشقون الغراء في أبشع صور للإدمان، ويبيعون السجائر ولا يلبث الأمر أن يتعدى إلى التدخين، نتأكد أن الأمر أكبر من الشعارات التي تعود في كل فاتح من شهر جوان إلا أنها تظل تراوح مكانها عند التطبيق، وهذا بشهادة الواقع، خاصة وأن الهيئة الوطنية لتطوير البحث و ترقية الصحة "الفورام" قد كشفت في وقت سابق أن طفلا واحدا من أصل أربعة أطفال يستهلك المخدرات. كما كشف رئيس الديوان الوطني لمكافحة المخدرات عبد المالك السايح من جهته، أول أمس، أن استهلاك المخدرات عرف انتشارا كبيرا بين مختلف الشرائح، وهو ما يستدعي دق ناقوس الخطر خاصة وأن الظاهرة تعدت إلى الأطفال وهو ما يعكس أسوأ مظاهر تردي وضعيتهم في الجزائر، حيث بلغت نسبة الزيادة في تعاطي المخدرات ما بين 2008 و2009 حسب نفس المتحدث نحو 230 بالمائة، وهو ما يعد حسبه مؤشرا خطيرا، حيث تحتل ولاية الجزائر ووهران والبليدة والشلف ريادة الترتيب في تعاطي المخدرات، وهي الأرقام التي تتدعم تدريجيا على يد الأطفال الذين يجدون من الفقر والجهل والتشرد أسبابا مباشرة للتمرد على الطفولة بالإدمان. وبالحديث عن مختلف أشكال الإجرام عند الطفل، نجد أن السرقة من أهم هذه المظاهر التي تتحول تدريجيا إلى سلوك جانح نراه كثيرا لدى المراهقين، ويكون هذا السلوك هو نواة الشخصية المضطربة المعادية للمجتمع وهو ما يجرنا بالضرورة إلى الحديث عن رجل مجرم مستقبلا. والسرقة في هذه الحالة حسب بعض المختصين تمثل رغبة في الخروج عن قوانين المجتمع بشكل عام، والبحث عن العائد المادي من خلال سرقة السيارات، المنازل وحتى السرقة تحت تهديد السلاح، وهذا كله يحدث في ظل غياب بيئة أسرية سليمة تحول دون استمرار مثل هذه المظاهر التي تقود أصحابها في كثير من الأحيان إلى الوقوع تحت طائلة القانون. الجزائر من الدول العربية التي تعتني بصحة الأطفال، إلا أن هذا القطاع مازال يعرف العديد من النقائص، خاصة فيما يتعلق بندرة اللقاح الخاص بالرضع، الذي ميزته هذه السنة، وبالرغم من أن أغلب الولادات تتم تحت مراقبة صحية، لكن ينقصنا طب ذو نوعية، فالمولود الجديد يبقى معرضا لكل الأخطار في ظل وجود عدد محدود من الوحدات والمصالح التي من المفروض أن تتكفل بالمواليد الجدد المرضى. وتبقى الجزائر الدولة العربية الوحيدة التي لا تملك مستشفى خاصا بالأطفال مما يعيق عملية التكفل ببعض الأمراض التي تمس هذه الفئة، من بينها اختصاص سرطان الأطفال، الأمر الذي زاد من نسبة الوفيات التي بلغت 40 بالمائة حسب تصريحات بعض المختصين من مركز مكافحة السرطان بالجزائر العاصمة "بيار وماري كوري". وبالعودة إلى ظاهرة التشرد فقد أشارت أرقام سابقة للهيئة الوطنية لتطوير البحث وترقية الصحة عن 15 بالمائة من أطفال الجزائر ممن يفترشون الأرصفة وهو ما يعني أنهم لا يملكون مكانا يأوون إليه، وهو أبسط الحقوق، فما بالك إذا حاولنا البحث عن باقي الحقوق التي باتت من الكماليات بين أطفال يعيشون في بلد يتمتع بكامل الإمكانيات لتوفير حياة كريمة لأطفاله إلا أنهم مغيبون حتى في يومهم العالمي.