عانى قطاع الفلاحة بولاية أم البواقي، ولازال يعاني، الكثير من الإهمال والتردي، وخصوصًا البساتين والحقول التي تجود بثمار البرتقال والرمان والمشمش والعنب، لأسباب كثيرة ومختلفة. وبغية معرفة أهم المعوقات التي تواجه الفلاحين في بساتينهم وحقولهم وتؤثر على إنتاجهم، قامت ”الفجر” بإجراء هذا الاستطلاع في مدينة سوق نعمان، وهي مدينة فلاحية بامتياز، التي تحاط بالبساتين والحقول كحزام أخضر، التقينا بأحد أصحاب البساتين، الفلاح عناب الخوثير، الذي قال: ”قبل أربع سنوات كانت شجرة البرتقال تنتج خمسة عشر صندوقا من البرتقال، أما الآن فإنها تنتج صندوقًا واحدًا، كما أن أشجار الرمان، بسبب عدم وجود المبيدات والعلاجات اللازمة للأشجار، فإن الكثير منها قد مات، والكثير من البساتين كانت ساحة للعمليات الإرهابية خلال السنوات القليلة الماضية، مما أصابها بالهلاك جراء الإهمال وعدم العناية، وهذه الأشجار يمتد عمرها إلى سنوات طويلة، وليس هناك اعز على الإنسان من أشجار بستانه التي يراها كأولاده التي رعاها طوال عمره.. وأضاف أن البساتين عمومًا في ولاية أم البواقي كلها تعاني التردي والإهمال وتحتاج إلى تدخل الدولة، وأن تمارس مديرية الفلاحة دورًا أكثر جدية في مساعدة الفلاحين في تجاوز هذه الأزمة التي يعانونها.. فهذه الأشجار ذات اللون الأخضر قد أصابها المرض فتحولت إلى لون أسود قضى عليها وتخشبت جراء ذلك الإهمال واللامبالاة”.. أما الفلاح عبد الله بن سلامة، فقال: ”بستاني هذا كان سابقًا ينتج كميات كبيرة من الخضروات بمختلف الأنواع التي كنت أسوقها إلى عين مليلة، عين الفكرون، عين كرشة، أم البواقي، قسنطينة و شلغوم العيد، كما أن أشجار المشمش كانت تنتج أرقى الأنواع التي يتهافت على شرائها تجار بيع الخضر والفواكه بالجملة، لكن بعد الأحداث التي مرت بها مدينة سوق نعمان خلال مرحلة الإرهاب فإن مساحات شاسعة من البساتين المثمرة قد هلكت ويبست، ونحن الآن نحاول أن نعيد إليها رونقها وبهاءها.. مع أن هناك الكثير من المعوقات التي تحول دون ذلك.. كما أن المياه التي كانت تكفي لسد حاجة البستان أصبح الحصول عليها أمرًا صعبًا، بعد أن كانت سابقًا متاحة و متوفرة بغزارة ويسر. ومن المعلوم أن البستان إذا لم يأخذ كفايته من الماء فإن ثماره تكون غير جيدة، وأن وجود الفواكه والخضر المستوردة شكل تنافسًا مضراً للمنتوج المحلي، الأمر الذي أدى إلى أن الكثير من أصحاب البساتين يبيعون بساتينهم بأسعار قليلة. وتعتبر ولاية أم البواقي من أكثر المناطق في الجزائر إنتاجًا للبطاطا- ذات النوعية الرفيعة - والقمح و الشعير ومختلف الفواكه كالرمان والبرتقال والمشمش والتفاح و العنب بسبب خصوبة التربة وحلاوة المياه و توفيرها، إلا أن إنتاجها لهذه المزروعات الهامة تراجع لأسباب مختلفة كما يرى الحاج بن زكري زكرياء- فلاح من مدينة عين الفكرون - الذي قال: ”تعرض جزء من بستاني إلى القطع كونه يقع على منطقة خصصت لبناء سد أركوس وهذا البستان يمتد لسنوات طويلة وأغلب أشجاره هي الرمان، حيث كنت أقوم بتزويد مختلف أسواق ولايات أم البواقي، قسنطينة، باتنة وخنشلة بكميات كبيرة من الرمان الذي لا أجد صعوبة في إيصاله إلى تلك الأسواق المختلفة، أما الآن فإن الإنتاج قل بسبب الأضرار التي لحقت بالبساتين كما أن كلفة العمل والعناية بالبساتين صار مكلفًا والإنتاج لا يسد ولا يفيد الفلاح، الأمر الذي جعل الكثير يقومون ببيع بساتينهم كقطع أراض للبناء عليها، وهناك ظاهرة البضاعة الأجنبية التي أغرقت السوق وأثرت على الإنتاج المحلي، وعدم الإقبال عليه لترديه بسبب الإهمال الذي أصابه”. أما علاوة بن زواي، فلاح من عين كرشة، فقد قال:”الفلاح في هذه المرحلة يحتاج إلى مساعدة الحكومة لاستعادة ما كان سابقًا فالبساتين تحتاج إلى العناية وإلى المبيدات والمواد الكيميائية وإلى الأسمدة، والفلاح يحتاج إلى القروض الميسرة كي يستطيع أن يرتقي بالفلاحة ويحقق الاكتفاء الذاتي، ولما لا فيما بعد التصدير إلى الخارج، في حال كانت هناك وفرة و فائضًا في الإنتاج الفلاحي. ويرى المهندس الفلاحي، رؤوف بولحزام، أن البساتين أصابها الإهمال والتردي بسبب الأحداث الأمنية الدامية التي شلت الحياة بكافة جوانبها خلال العشرية الدموية، إلا أن الأمر يحتاج في هذه المرحلة، مرحلة استعادة العافية، إلى إعادة النظر والقضاء على الأمراض المختلفة التي أصابت الإنتاج و الأشجار المثمرة ،و خصوصًا تلك التي أصابت أشجار البرتقال والمشمش والخوخ والرمان والعنب، حيث أن عدم مكافحة هذه الأمراض يؤدي إلى زيادة المرض وتوسعه والقضاء على الأشجار وتيبسها بالكامل، ولا بد من استخدام طرق الرش الحديثة بواسطة المروحيات وإعطاء الفلاحين الكميات اللازمة من المواد واللوازم الضرورية التي تمكنهم من إعادة الحياة إلى بساتينهم، وهناك الكثير من الحشرات التي إذا ما أصابت الأشجار فأنها تطور نفسها وتستمر وتتوسع مثل تلك التي تصيب أشجار البرتقال وتؤدي إلى تحويل لون الأوراق إلى سوداء فإنها تأتي على كل البستان وتأكل لحاء الشجرة من الداخل، وبالتالي تتيبس الشجرة وتموت، بل أن هذه الآفة تنتقل من شجرة إلى شجرة وتتوسع بشكل كبير إذا لم تكافح وتعالج .. وهناك أمراض أخرى تصيب أشجار الرمان وتؤدي إلى تردي الإنتاج. وأفادت مصالح المديرية الولائية للفلاحة بأم البواقي أنه تم خلال الفترة من 1999 و 2009 إتلاف حوالي 30 ألف شجرة مثمرة لمختلف أنواع الفواكه، بسبب شح مياه السقي وظاهرة الجفاف و التصحر وقلة المواد الكيميائية والمبيدات والأسمدة وحتى الحرائق، وإن مصالحها تسعى جاهدة من سنوات لإيجاد الحلول من خلال مساعدة الفلاحين ومنحهم بعض القروض لإعادة بعث نشاطاتهم.