زائر منطقة شنوة على بعد 2كلم غرب ولاية تيبازة، نسبة إلى جبلها الذي يصل ارتفاع قمته 905 أمتار ويغطي مساحة 14000 هكتار، يلفت انتباهه جمال الطبيعة المتزاوج مع زبد البحر، منطقة سياحية وأثرية و تاريخ روماني عريق يعود لآلاف السنين، التي تستقطب أنظار الزوار على مدار الفصول الأربعة للاستمتاع بنسيمها المنعش فوق رمال شواطئها الذهبية حطّت “الفجر” بساطها على مدينة أقل ما نقوله عنها إنها جميلة. توجهنا مشيا على الأقدام لنتمتع بسحر هذه المدينة الجبلية التي لا يزال سكانها متمسكين بتقاليدهم العريقة ويتحدثون بلهجتهم الشلحية القريبة من اللغة الأمازيغية. شنوة...أسطورة المرأة الحامل وقبل أن تصل إليها تلمح شكل الجبل وكأنه امرأة حامل مستلقية على رأسها، أما البعض الآخر فينعتها برأس التمساح الغاطس في البحر. دخلنا مدينة شنوة التي تمتاز بالهدوء في فصل الشتاء بينما تكثر الحركة والضجيج في فصل الصيف، لنستفسر عن سر هذه الأسطورة وتوجهنا إلى عمي محمد، الذي يبلغ من العمر 70 سنة ليروي لنا قصة هذا الجبل الذي ينسب إلى امرأة حامل تدعى شنوة، عرفت بنبل أخلاقها وكفاحها ضد المستعمر وحبها لمنطقتها، حيث يقصد الزوار هذه المنطقة من كل مكان للاستجمام في شواطئها المتعددة. محطتنا الأولى كانت “الكورنيش”، حيث وجدنا سيارات عائلية مركونة بالقرب منه وراحت هذه العائلات تتمتع بجمال المناظر الخلابة التي تطل على كل ولاية تيبازة بحكم علو جبلها، إذ تغتنم العائلات فرصة التواجد بهذا المكان لأخذ صور تذكارية مع فرخ الطاووس زرقة البحر واستجمام فوق الرمال الذهبية زيارتنا قادتنا إلى أهم شواطئ المنطقة، حيث لاحظنا تدفق أفواج كبيرة من المصطافين قدموا من عدة ولايات كالبليدة والمدية والعاصمة وحتى المغتربين. وعن جمال البحر، اقتربنا من بعض العائلات التي اختارت شاطئ “البلج” لقضاء أجمل أوقاتها. قالت سيدة آتية من ولاية البليدة بأنها تقصد هذا المكان منذ عدة سنوات لهدوء المنطقة وجمال شواطئها وكذا للاستقرار الأمني فيها كونها شواطئ محروسة. وعلى بعد بضع أمتار حدثنا رب عائلة أتى من العاصمة بأنه يقصد هذا المكان مرارا رفقة عائلته لجمال المنطقة وهدوئها وكذا حسن الاستقبال. محطتنا الثانية كانت شاطئ الأزرق الكبير المعروف بزرقة مياهه، حيث جذبتنا رائحة السمك التي تفوح عند مجموعة الشبان، حيث كان يتصاعد دخان المشاوي على بعد أمتار. اقتربنا منهم وسألنا أحدهم عن كيفية طهي السمك، فأجابنا هذا الأخير بأن طريقة طهيه سهلة وتتطلب صبرا من طرف الطاهي الذي يتفنن في ذلك بالإضافة إلى جمال الطبيعة الذي يفتح الشهية. تاريخ عريق وتشبث بالأصالة بسبب كثرة المرافق السياحية التي تزخر بها منطقة شنوة احترنا في اختيار الأماكن التي سنزورها. اتجهنا إلى بيت الحاجة مريم، التي تشتهر بصناعة الأواني التقليدية “الفخار”، وقد حظينا باستقبال حار من طرفها وعرضت علينا أنواع القلل والجرار المصنوعة بأنامل يديها، قالت هذه الأخيرة إنها تزاول هذه الحرفة منذ زمن بعيد ويقصدها السيّاح والزوار لشراء الفخار، كما أنها تعلّم الفتيات كي لا تندثر هذه الحرفة من تقاليد منطقة شنوة التي يعتبرها البعض شيئا مقدسا. والشيء الملاحظ هو أن أغلب العائلات متمسكة بالحياة البدائية التقليدية وكأننا لم نصل إلى القرن الواحد والعشرين بعد. أكواخ خشبية، أفران مصنوعة بالطين، حليب البقر والماعز، رغيف الشعير.. هي غذاء سكان شنوة الأصليين، عائلات ألفت العيش في ذلك المكان ولا يمكن مغادرته حسب قول أحد أبنائها “لا نستطيع أن نتخيل أنفسنا في مكان آخر غير شنوة” وأضاف صاحب إحدى مطاعم السمك أنه يسهر على راحة الزبائن بتوفير الأنسب والأفضل لراحتهم. بعدها، قادنا إلى مطبخ المطعم حيث تجهز الأطباق كطبق”البايلا” الإسباني الذي يتكون من فواكه البحر كالجمبري والكلمار، بالاضافة إلى الأرز والدجاج، طبق سمك”اللونقوست” الذي يبلغ سعره 5000 دينار جزائري.. أخذنا طريق العودة بعد أن قضينا يوما رائعا بضيافة أهل الجود والكرم الذين رحّبوا بنا ودعونا للعودة مرة أخرى وقدموا لنا تذكارا عربونا على المحبة وحسن الضيافة.