أصبحت الأغنية الرياضية في الجزائر ”سفيرة” لكل الطبوع الفنية، يلجأ إليها المغنون لاستمالة الجمهور ودخول بيت العائلة المحلية المحافظة، التي ترفض الأداء الرديء والكلمات الجارحة، وبلغ الأمر حداحتفاء العرسان وشغل ركح المهرجانات وقاعات الحفلات على إيقاعات النغمة الرياضية المتغنية بإنجازات ”الخضر”، رغم مرور قرابة الشهر على نهاية مونديال جنوب إفريقيا ورغم أن العائلة الجزائرية وهواة الأغاني، منقسمون في وقت سابق على مختلف الطبوع، منهم من يعشق السطايفي، ومنهم من تستهويه الأغنية الشاوية والقبائلية، ومنهم من يتأثر بكلمات الشعبي والأندلسي والحوزي، ومنهم من يبحر في الراي وآخرين يميلون إلى الأغنية الغربية وكلمات المشارقة، إلا أن حمى المونديال تعدّت الجهور الرياضي، وصارت العائلات وفي مختلف الحفلات تتغنّى ب ”الخضرا”، ويرقص الشباب على إيقاعاتها، حيث تحوّلت من أغاني تشجيعية إلى أغاني للترويح عن النفس، بما أنها تحمل كلمات محترمة تليق بمقام المجتمع ككل. ويبحث في الوقت الحالي، أغلب المغنّين الذين اكتسحوا المشهد الفني في وقت مضى، عن طريق الأغنية الرياضية المسايرة ل ”الخضر”، عن كلمات الولوج إلى بيوت العائلات الجزائرية. بعد نهاية حمى مونديال جنوب إفريقيا 2010، الذي صاحبته بروز العديد من الأصوات الفنية الجديدة، يحاول الكثير من الفنانين الجدد الذين سطع نجمهم في الآونة الأخيرة، أن يحافظوا على مكسب دخول بيوت العائلات الجزائرية المحافظة، والتي لم تكن لتسمح لهم بالدخول إلى مسامع الأسرة، بسبب السمعة السيئة لمغني الملاهي والنوادي الليلية، التي تعد الجهة المفرزة للكثير من الأسماء الرايوية الجديدة، التي ركبت مؤخرا، موجة الغناء للفريق الوطني لتصل بذلك إلى شاطئ أسماع الصغار قبل الكبار. وفي هذا الشأن، قال مطرب الأعراس، زاهي شرايطي، إنه حاول شخصيا طوال مسيرته الفنية التي تمتد إلى سنوات طويلة ماضية، أنّ يقدم أغاني نظيفة تساعده على كسب قلوب مختلف الفئات العمرية الشابة، كما حرص - يضيف شرايطي -، على أنّ يكون سفيراً للأغنية السطايفية في العاصمة، باعتباره مؤدي للأغنية الخاصة بالأعراس، الحفلات، والمناسبات السعيدة التي عادة ما يجتمع فيها كل أفراد العائلة، لهذا فلم يكن صعبا عليه ولن يكون صعبا عليه من أنّ يدخل قلوب العديد من العائلات الجزائرية، التي تنتقي بشدّة ما تستمع إليه، في ظّل تفشي ظاهرة الأغاني الهابطة، مع بداية ظهور الكثير من المتطفلين على المشهد الغنائي في الجزائر في السنوات القليلة الماضية، حيث يقول شرايطي ”أصبحنا نشهد كل يوم ميلاد مطرب جديد، يسرق ألحان غيره ويقدم من خلالها أغاني لا تليق بمستوى الفنّ الجزائري الذي حرص من كانوا فيه سابقا على أنّ يكون راقياً”. وأضاف المتحدث في ذات السياق، أنّ الساحة الفنية في الوقت الحالي، تغيرت كثيراً مقارنة بما كانت عليه سابقا خاصة فيما يخص أغنية الراي، التي أدّاها العديد من الفنانين الجزائريين والتي يمكن القول إنها تعد منطلق أي مطرب جديد، وهؤلاء الفنانين أو المتطفلين بمعنى آخر - يقول شرايطي-، عملوا على تشويه المشهد الفني كثيراً، خاصة وأنهم قدموا أغاني فيها الكثير من الكلام البذيء لا يمكن أن يستمع إليه بين أفراد العائلة الواحدة. ونوّه المتحدث، أنّ الفترة الأخيرة جعلت العديد من المطربين الجزائريين يحرصون على أنّ يقدموا أغاني تليق بمستوى ما وصلوا إليه من انتشار وشهرة داخل الأوساط العائلية الجزائرية، التي سمحت لهؤلاء من أنّ يكونوا ضمن مختلف حفلاتهم وسهراتهم ومناسباتهم السعيدة، التي لا تكاد تخلو من الأغاني الرياضية حتى ولو تعلق الأمر بحفل نجاح في شهادة تعليمية، أو في حفلات الزفاف لكون الأغنية الرياضية أصبحت فأل خير على كل الجزائريين، لذلك فإن أغلب الفنانين الجزائريين وهو واحد منهم سيحرص على كسب هذا الرهان الجديد مع الجمهور وأي جمهور..إذ يتعلق الأمر بالعائلات لا بفئة الشباب فقط. الفنان سمير تومي، من جهته، قال بأنّ ما حققه الفنان الجزائري في الفترة الأخيرة، التي كانت مع بداية تحقيق عناصر منتخبنا الوطني لنتائج إيجابية، كون أغلب الفنانين قدموا العديد من الأغاني المساندة والمناصرة لهؤلاء الشبان، سيحفز هؤلاء على أنّ يقدموا أغاني تليق بمستوى الانتشار والشهرة التي كسبوها والمحبة التي أولاها لهم الشعب الجزائري، لكون الأمر أصبح لا يعلق فقط بفئة الشباب بل أصبح يتعلق بكل أفراد العائلة من صغيرها إلى كبيرها. وأضاف تومي قائلا إنّ من مصلحة أي مطرب أنّ يحافظ على محبة الجماهير له، سواء تلعق الأمر بتقديمه لأغنية رياضية أو لأغنية وطنية أو لأغنية حب، ويبقى المهم في هذا كله أنّ تكون الأغنية جيدة ويمكن لجميع العائلات أنّ يستمتعوا بسماعها معا. حميد بلبش، من جهته، قال بأنّ المطربين سواء كانوا في الجزائر أو في أي بقعة من بقاع هذا العالم، لا يقدمون إلا ما يطلبه المستمع أو بمعنى آخر فهو يقول ”إن الفنان لا يقدم إلا ما يطلبه الجمهور”، وأضاف أن الجمهور في الماضي القريب لم يكن يطلب إلا الأغاني الخفيفة والسريعة وأغاني السهرات والإيقاع السريع، لان أغلبهم ينتمون إلى فئة الشباب المبهور بالطبوع الغربية، غير أنّ الجمهور اليوم تغير وأصبح واجبا على أي مطرب محترم أنّ يتغير أيضا وأنّ يحسن من مستوى أعماله الفنية التي ستبقى خالدة بعد رحيله. لذلك فهو يرى أغلب الفنانين من أصدقائه - يضيف بلبش-، يسعون مستقبلا إلى تقديم أغاني تكون بمستوى هذه الجماهير التي تنتظر أعمالهم الفنية، لذا فهو لا يعتقد أن الفنان سيخاطر بتقديم ما يمكن أن يسيء إلى سمعته الفنية و يهدد شهرته داخل الوسط الاجتماعي. وبالتالي، فهو يصر على أن أغلب المطربين اليوم سيقدمون أغاني جيدة سترسم في السنوات القليلة القادمة عودة قوية للأغنية الجزائرية التي تراجع مستواها في الآونة الأخيرة، بسبب رداءة كلمات الأغاني المطروحة في الساحة الفنية. المغنية صونيا بدورها أكدت حرصها في الفترة القادمة على تقديم كل ما يساعدها على الاستمرار أكثر في المشهد الفني الجزائري، على نفس الوتيرة التي مكّنتها من أنّ تحتل بأغانيها الأخيرة السوق الفنية في الجزائر، لذلك فهي سواء قدمت أغاني خاصة بالفريق الوطني أو أغاني عاطفية فستكون ذات مستوى راقي، يسمح لها من اكتساب محبة الجماهير وخاصة أفراد العائلة الواحدة، لأن محبة الناس كنز لا يفنى -تضيف المتحدثة -. من خلال هذه الردود الخاصة ببعض مطربينا، نجد أنّ إصرار العديد من المغنين الجزائريين على تقديم الأفضل في أعمالهم الفنية القادمة، سيعمل على تنقية الوسط الفني من الأغاني الرديئة التي تفشت في الوسط الفني منذ سنوات، وجعلت الأغنية الجزائرية في الحضيض، خاصة أغنية الراي التي تضررت كثيراً، في ظل عزوف روادها عن تقديم أغاني جديدة باعتبار أن هؤلاء جميعاً اختاروا أنّ يعيشوا وراء البحر.